كتب-محمد بهجت علي خشبة مسرح الجمهورية الذي عاد أخيرا بعد عام كامل من الثورة لتقديم عروض مسرحية ذات طابع احترافي قدم مسرح الطليعة سهرة ادوارد أولبي والتي تحمل أيضا عنوان من يخاف فيرجينيا وولف اخراج الدكتور سناء شافع. الذي يقرر في كلمته بكتيب العرض أنه شاهد تلك المسرحية في عام1973بصحبة المخرج المسرحي الكبير الفنان أحمد زكي علي هامش مهرجان برلين المسرحي, وانبهر سناء شافع بالنص وبالرؤية الإخراجية التي قدمها أستاذه بروفسيور يرتن في العرض الأجنبي ونما في داخله حلم تقديم نفس النص برؤية مغايرة تحمل وجهة نظره الخاصة وبعد ما يقرب من أربعين عاما ها هو يحقق حلمه مستعينا بموسيقي د.طارق مهران وتعبير حركي صممته ماجدة حافظ وديكور وملابس وائل عبد الله وبطولة منال سلامة وأحمد فؤاد سليم ويحيي أحمد ونيفين رفعت ويقول د. سناء شافع في كلمته: نحن نؤمن بأن من معنا ليس منا.. فإننا نريدك أن تعلمنا بأخطائنا وسلبياتنا حتي نقوم علي تصويبها.. فهذا حقك مواطني ومشاهدي العزيز, وهذا هو واجبنا واستنادا إلي هذا الرأي من أستاذ كبير للإخراج في قيمة وأهمية د. سناء شافع نقول له إن الفكرة البديعة التي يحملها النص قد عاني الجمهور في تلقيها نتيجة الحوار المطول والذي كان من الممكن اختزاله بعض الشيء دون الإضرار بالمعني وأيضا الرقصات التعبيرية البعيدة نوعا ما عن ذوق غالبية جمهور المسرح في مصر ولعلنا نعذر الدكتور سناء في عشقه للنص والنسيج الدرامي الذي يكشف أعماق الشخصيات مع كل جملة حوارية ببساطة وتلقائية وكأنها شخوص من دم ولحم تتحدث بعفوية دون وجود مؤلف يحكي النص عن جورج وهو أستاذ جامعي مرموق يشغل منصب رئيس قسم التاريخ ويبدو عليه التعقل والتحفظ الشديدان ومتزوج من مارتا سيدة مرحة منفتحة علي العالم وهي ابنة رئيس الجامعة التي يعمل فيها جورج وتبدو عليهما السعادة والاستقرار وهما يستعدان لاستقبال ضيفين لتمضية السهرة ثم نكتشف تدريجيا أن جورج رجل استغلالي فاقد النخوة يعلم بخيانات زوجته المتعددة ويقبلها مضطرا من أجل الاستمرار في منصبه وهو يحتقر رئيسه وحماه وتظهر مشاعره عندما يلعب الخمر برأسه ومارتا تعرف حقيقة زوجها وتعمد إلي اهانته بتصرفاتها الجنونية ونزواتها المتعددة ويصل الضيفان الشابان نك يحيي أحمد أستاذ البيولوجيا الشاب الفخور بفحولته وجسده الرياضي, وهني, نيفين رفعت زوجته الشابة ابنة رجل الدين الذي نهب الكنيسة وكون ثروة من عمله واعظا. وكانت هذه الثروة هي أول ما لفت نظر زوجها إليها ومع مرور الوقت وكثرة الشراب نري حقيقة الشخصيات اللامعة من الخارج والمخربة من الداخل وتصل ذروة الانتقام من جورج لزوجته عندما يبلغها بوفاة ابنهما الوحيد في عيد ميلاده الحادي والعشرين ولا ندري بدقة هل هذا الابن حقيقي أم أنه وهم صنعاه معا ليربطهما أو ينسيهما عدم القدرة علي الانجاب. باختصار اختار ادوارد أولبي اثنين من أساتذة الجامعة في التاريخ والعلوم ليمثلا أرقي نماذج الشخصية الأمريكية واختار الزوجتين من أسرتين راقيتين لرئيس جامعة ورجل دين ولكن الظروف الاجتماعية والثقافية والمادية لم تمنع التطلعات الدنيئة في النفوس ولم تمنع الضيف من اقتناص زوجة مضيفه داخل بيته وفي أثناء وجوده والزوجة سعت إلي ذلك إمعانا في إذلال زوجها الذي جلس في هدوء وهو علي علم بما يدور يستعد لضربة الانتقام بينما ابنة رجل الدين لا تقوي علي النهوض من كثرة تناول أحط أنواع المشروبات الكحولية ولكن بعد قليل يعود الحوار الدبلوماسي وعبارات المجاملة وارتداء البلاطي والملابس الرسمية لأبناء هذه الطبقة الاجتماعية وكأن شيئا لم يكن. استطاع أحمد فواء سليم أن يجسد شخصية الأستاذ الجامعي المثقف المؤمن بالتاريخ والراصد للفساد والرافض له لكنه في حقيقة الأمر أضعف من أن يقاوم سطوة المال والمنصب. كما استطاع أن يقنعنا بتلك الشخصية المليئة بالمتناقضات. وتألقت منال سلامة في أداء دور مارتا الذي لعبته من قبل في مشروع تخرجها بالمعهد العالي للفنون المسرحية. ولكنه اليوم أكثر ملاءمة لها بعد النضج والتجربة الفنية الطويلة مع المسرح في عروض تحمل قيمة فنية عالية وتؤكد أن التدقيق في اختيار النصوص والمخرجين هو ما يصنع للفنان سجلا يعتز به, يحيي أحمد استطاع أن يضع قدميه بثقة في بطولة جماعية مع نجمين كبيرين في عالم المسرح واستطاع أن يتفهم الشخصية من الداخل فيأتي تعبيره عنها بسيطا ومؤثرا. نيفين رفعت أجادت تقديم شخصية هني ولم تسقط في مصيدة المبالغة خاصة عندما يتعلق الدور بشخصية مخمور أو فاقد التوازن, والحقيقة أن أداء الممثلين الأربعة شهادة تقدير بقيادة الدكتور سناء شافع الذي لا نأخذ عليه إلا أنه أحب النص ربما أكثر مما أحب دوره فيه كمخرج. [email protected]