ثلاث سنوات ونصف مرت علي إبعاد رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناوترا عقب الانقلاب العسكري, ومازال الوضع في تايلاند مشتعلا بالخلافات السياسية. ولعل أحدث حلقة في سلسلة هذه الخلافات والانشقاقات السياسية, تلك التي توجه خلالها آلاف المتظاهرين من أنصار شيناوترا الي منزل خلفه ايهيسيت فيجاجيفا لسكب دمائهم أمام منزله, في خطوة رمزية ضمن تحركاتهم السلمية لإرغامه علي الاستقالة والدعوة لانتخابات مبكرة, تأكيدا لاستعدادهم ليس فقط لبذل الدماء من أجل الديمقراطية الحقيقية, ولكن أيضا لتلطيخ قدمي رئيس الوزراء بدماء مواطنيه. وكانت المظاهرات التي استمرت منذ مطلع الأسبوع الحالي, وشارك فيها الآلاف الذين جاءوا للعاصمة من المناطق النائية في شمال البلاد وشرقها قد جمعوا عينات من دمائهم بلغت نحو300 لتر وسكبوا بعضها أمام مقر الحكومة والحزب الديمقراطي التابع لفيجاجيفا, في إشارة لاختلاط دماء الجماهير دفاعا عن الديمقراطية. وفي الوقت الذي أعلن فيه كل من المتظاهرين وأنصار الحكومة حرصهما علي إبقاء هذه الاحتجاجات سلمية, وأنها لن تلجأ للعنف, فإن ذلك لم يمنع السلطات في تايلاند من وضع عشرات الآلاف من قوات الأمن علي أهبة الاستعداد لمواجهة وقوع أي تجاوزات. وهنا يكون التساؤل عن السبب وراء هذا الغضب الواضح بين أنصار شيناوترا, الذي دفعهم للجوء لأساليب احتجاجية جديدة وغير مألوفة؟ وللإجابة علي ذلك لابد من التذكير ببعض الحقائق, أهمها علي الإطلاق أن تاكسين, برغم ثرائه الواضح, مازال يتمتع بشعبية جارفة بين أوساط الفقراء والمعدمين من سكان المناطق النائية, فخلال الفترة التي قضاها في منصبه قدم لهم برامج رعاية صحية واجتماعية غير مسبوقة, نجحت في التخفيف من معاناتهم, الأمر الذي ضمن له إكمال فترة حكمه الأولي, فيما يعد سابقة في الحياة السياسية في تايلاند, والأكثر من ذلك فوزه في الانتخابات التالية بأغلبية ساحقة دعمت حزبه, ورسخت مكانته في السلطة, برغم الاتهامات التي وجهت له بالفساد واساءة استغلال السلطة. وبالنسبة لهؤلاء, فإن إبعاد تاكسين وبهذه الصورة ذنب لم ينسوه ولم يغفروه حتي الآن, خاصة أنه تسبب في دخول البلاد في دائرة من عدم الاستقرار السياسي, انعكست علي الجميع بالسلب. ومن ثم جاءت احتجاجاتهم بعد صدور حكم المحكمة العليا في تايلاند بمصادرة1,4 مليار دولار من أموال تاكسين المجمدة عقب الانقلاب, وقد زاد من سخطهم اعتقادهم الراسخ أن الحكومة الحالية جاءت للسلطة بدعم وتأييد من قادة الانقلاب والنخبة الحاكمة, وأسهم في تأكيد هذا الاعتقاد خلفية فيجاجيفا الذي عاش ودرس بالخارج وتحديدا في بريطانيا لمدة طويلة, وهو بالنسبة لهؤلاء لا يعرف شيئا عن بلدهم وعن معاناتهم وتفتقر حكومته للشرعية, والحل من وجهة نظرهم يتلخص في اقالة الحكومة الحالية وإجراء انتخابات ديمقراطية جديدة. وهو الحل الذي يرفضه تماما رئيس الوزراء, ويتجاهل بسببه حالة الفوضي التي تعم العاصمة, والتي دفعته لترك مقر اقامته والانتقال للاقامة في إحدي القواعد العسكرية شمال العاصمة بانجكوك. ولكن بعيدا عن التداعيات السياسية المصاحبة لتلك الاحتجاجات, فقد أثارت هذه الطريقة الجديدة جدلا واسعا علي الصعيد الصحي, ففي الوقت الذي هرع عمال النظافة للتخلص من آثار الدماء المراقة أمام مقر رئيس الوزراء خوفا من انتشار الأوبئة والأمراض, فقد انتقد البعض إهدار هذه الكميات الكبيرة من الدماء, بدلا من استخدامها لمساعدة المرضي. ولكن بغض النظر عن هذه التداعيات, فالأمر الذي أجمع عليه المراقبون أن التحدي الأكبر أمام قادة حركة القمصان الحمراء هو نجاحهم في إبقاء احتجاجاتهم سلمية. لقد أكد المتظاهرون أن دوافعهم الحقيقية هي تحقيق الديمقراطية والعدالة وليس فقط تأييد رئيس الوزراء السابق, ومن ثم فالاختبار الحقيقي الذي يتعين عليهم مواجهته هو مدي نجاحهم في توصيل رسالتهم بأنهم حركة سلمية تهدف لإحداث تحول سياسي واجتماعي, وليسوا مجرد وسيلة لتحقيق الطموح السياسي لشخص واحد هو تاكسين, وهذا هو ما سوف تظهره الأحداث المقبلة.