"ضحايا القبعات الزرقاء".. هى الجملة المناسبة لوصف انتهاكات وجرائم قوات حفظ السلام فى مناطق الصراع. “وصمة عار” تلاحق شرعية “حماة السلام” بل وشرعية الأممالمتحدة نفسها مع اتساع نطاق الانتهاكات والجرائم التى ارتكبها جنود قوات حفظ السلام على مدى عشرات السنين فى مناطق الصراعات، والحروب الأهلية من هايتى فى أقصى الغرب إلى باكستان فى أقصى الشرق إلى دول القارة السمراء. وارتبط تاريخ الجرائم والانتهاكات الجنسية الخطيرة وغير المسبوقة بدخول “القبعات الزرقاء” إلى مناطق الصراعات فقد شهدت دول مثل كمبوديا وموزمبيق والبوسنة وكوسوفو والكونجو والصومال وسيراليون وإريتريا وإثيوبيا وبوروندى ورواندا والسودان وكوت ديفوار وهايتى ارتفاعا قياسيا فى نسبة الدعارة وتجارة الجنس والاتجار فى البشر. أرقام الانتهاكات لا يمكن التقليل من شأنها، أو الدفع بأنها أفعال “أقلية” فى قوات حفظ السلام. وبعد الكشف عن فضيحة “النفط مقابل الغذاء” فى العراق، انفتح “صنبور الفضائح” ، ولم يستطع أحد إغلاقه حتى الآن. وهناك بعض الانتهاكات الجنسية المسجلة بالصوت والصورة ، إلا أن رد فعل المنظمة الأممية لا يرقى إلى رفع هذه الحالات إلى مستوى الأزمة. واعترفت الأممالمتحدة بأن عدد البلاغات بوقوع استغلال جنسى وانتهاكات جنسية من جانب بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خلال عام 2012 بلغت ستين بلاغا، فى مقابل 74 فى عام 2011، هذه البلاغات تضمنت “أكثر أشكال الاستغلال الجنسى والانتهاكات الجنسية بشاعة”، والتى تتمثل فى التحرش الجنسى بالقصر أو الأفعال الجنسية القسرية. الأسوأ من الاعتراف المشين بانخفاض أعداد البلاغات ، أن هذه البعثات لا تستخدم القوة لحماية المدنيين حين يتعرضون لهجمات إلا فى حالات نادرة جدا، على الرغم من أن مجلس الأمن الدولى يجيز لهم استخدام القوة العسكرية. كما وضعت قوات حفظ السلام الأممالمتحدة فى أزمة أخلاقية وقانونية غير مسبوقة بعدما طالب جوستافو جالون، أكبر مسئولى المنظمة الأممية للشئون الإنسانية فى هايتي، بمعاقبة المسئولين عن تفشى الكوليرا فى الدولة الكاريبية. وطالبت بوت أوبرينس الأممالمتحدة بتعويضات لضحايا الكوليرا، حيث اتهمت قوات حفظ السلام بأنها السبب فى انتشار الوباء الذى راح ضحيته الآلاف، وهو ما رفضته المنظمة الأممية، لكن مطالبة جالون بعد الصمت على كارثة تسبب فيها الإنسان قلب موازين المعادلة. الانتهاكات التى سجلتها منظمات حقوق الإنسان الدولية ضد قوات حفظ السلام خاصة فى الدول الإفريقية، لا تعد ولا تحصى، والمحاسبة أضعف من أن تتمكن من وقف طوفان الجرائم باسم “حفظ السلام”. وسجلت منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية مئات من الانتهاكات ضد أطفال لم يبلغ بعضهم السادسة من العمر، من أجل الحصول على الغذاء أو الصابون أو الهواتف النقالة، فى عدد من مناطق النزاع فى العالم. وكان بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة الحالى ومن قبله كوفى عنان قد أدانا ممارسة الانتهاكات الجنسية ووعدا باتخاذ إجراءات تأديبية فى حالة وقوع هذه المخالفات. لكن لا توجد قواعد تضمن التزام القوات بمدونة السلوك أو قانون “التسامح صفر” لوقف الانتهاكات، كما أن وحدات الجيش للدول الأعضاء يتم محاسبتها فقط أمام دولهم وليس أمام الأممالمتحدة. وبالتأكيد تسيطر واشنطن على المنظمة الأممية، والتحدى الذى تواجه قوات حفظ السلام هو نفس التحدى بين مجلس الأمن الدولى والجمعية العامة حيث التناقض بين القوة والديمقراطية.