تدهور الأوضاع الأمنية فى ليبيا يتطلب ليس فقط عقد مؤتمر لأمن الحدود المصرية-الليبية وانما مؤتمر أوسع تشارك فيه الجزائروتونس والسودان وتشاد ودول كبرى مثل الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وايطاليا للاتفاق على خطة مشتركة للتصدى للجماعات المتطرفة وتهريب السلاح. المؤتمر الذى بحث فكرته وزير الخارجية نبيل فهمى مع نظيره الليبى محمد عبدالعزيز بالقاهرة الأسبوع الماضى يحتمه الوضع المتدهور بسرعة فى ليبيا وما يشكله من خطر داهم على دول الجوار ومنها مصر وأن يتم الاسراع بعقده خلال أيام وليس قبل نهاية العام كما قال الوزير الليبي.ولنا فى المؤتمر الذى استضافته فرنسا وشاركت فيه نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون وبنين لمواجهة الخطر المتصاعد لجماعة بوكو حرام الارهابية مثل يحتذي.فبعد اختطافها أكثر من مائتى تلميذة نيجيرية وتهديد قائدها ببيعهن سبايا فى الأسواق وما سبقه من تفجيرات دموية استشعرت الدول المذكورة الخطر وسارعت بوضع خطة لمكافحته قبل أن يستعصي،واتفق قادتها على التنسيق بين أجهزة المخابرات وتبادل المعلومات ومراقبة الحدود وتشكيل قيادة مركزية لتوفير الامكانيات اللازمة والتدخل العسكرى عند اللزوم ونشر قوات على الحدود. ما يحدث فى ليبيا التى تعج بالميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة ونحو 25 مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الحكومة لا يقل خطرا على أمن دول الجوار ومصالح الدول الغربية وأمنها عما تشكله بوكو حرام من خطرعلى نيجيريا وجيرانها ويحتاج لتحرك جماعى عاجل لاحتوائه قبل أن يستعصى على المواجهة.ولا يكفى التنسيق الأمنى بين مصر وليبيا فى ضوء عجز حكومتها عن السيطرة على الموقف وتحدى الجماعات المتطرفة والمسلحة ورفضها تسليم أسلحتها وتكوينها مناطق نفوذ وتصارعها للحفاظ على مصالحها ومصالح قبائلها ومن يدعمها من الخارج.فالجيش مفكك وعاجز عن مواجهتها وغير قادر على تأمين الحدود الطويلة بالتعاون والتنسيق مع قوات الحدود المصرية كما هو مقترح.ومن هنا تأتى أهمية مشاركة دول الجوار فى وضع وتنفيذ خطة موسعة لملاحقة الجماعات المتطرفة والارهابية داخل ليبيا ومنع هروب أفرادها عبر الحدود المشتركة وطولها آلاف الكيلومترات.وبما أن الدول المذكورة ليست لديها أجهزة مراقبة واستطلاع وملاحقة حديثة وفعالة فان مشاركة دول مثل الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وايطاليا فى المؤتمر ضرورية للحصول على المساعدة اللازمة لتنفيذ الخطة من طائرات بدون طيار وطائرات استطلاع وخبراء فى مكافحة الارهاب ومعلومات استخبارية توفرها أقمارها الصناعية.فهى مهتمة باستقرار الأوضاع فى ليبيا وغيرها حفاظا على البترول والمعادن التى تحتاجها صناعاتها وتخشى على أمنها من تنظيم القاعدة وأتباعه لقرب ليبيا من حدودها حيث لا يفصل بينها سوى البحر المتوسط. هناك تقارير عن وجود متطرفين مصريين تلقوا تدريبات فى ليبيا ويمكن أن يعودوا بأسلحتهم الى مصر اذا تم تضييق الخناق عليهم هناك.كما تخشى تونس من عودة متطرفين تونسيين تلقوا التدريبات نفسها ومن تدفق الأسلحة الذى عزز بالفعل قدرات أعضاء جماعة أنصار الشريعة التونسية.أما الجزائر فوضعت 40 ألف جندى فى حالة تأهب على حدودها مع ليبيا تحسبا لتدهور الأوضاع أكثر ولمنع تهريب الأسلحة الى أراضيها أو دخول متطرفين وأغلقت سفارتها وسحبت سفيرها بعد تلقيه تهديدات.ولا يقل عنه قلق الولاياتالمتحدة التى تخشى انهيار الحكومة الليبية بالكامل وتنامى نفوذ الجماعات الارهابية والمتطرفة بما يهدد مصالحها فى ليبيا ودول الجوار. فقد أوضح تقرير حديث لمركز دراسات أمريكى أن أجهزة أمن ليبية يسيطر عليها مسئولون موالون لتنظيمات متطرفة وأن جماعة أنصار الشريعة مثلا لديها أتباع بالمئات فى بنغازى ودرنه واجدابيا فى شرق ليبيا، بالاضافة الى العاصمة طرابلس ومعسكرات تدريب أحدها فى بنغازى وأن مسئول الجماعة عن درنه عمل سائقا لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة الراحل.وأضاف أن عناصر القاعدة فى ليبيا لا يقلون عن 200 شخص وللتنظيم معسكران للتدريب أحدهما فى سهل عجلة بالشرق والثانى موجود قرب هون فى الوسط بالاضافة لمعسكرات تدريب أخرى فى الجنوب الليبي. التقرير الذى أعده المركز المعروف باسم «مجلس الأطلسي» دق ناقوس الخطر بأن التنظيم الدولى للقاعدة يستغل الأوضاع فى ليبيا ليسيطرعلى منطقة جغرافية يعلن قيام دولته عليها مثلما فعل تنظيم داعش فى شمال سوريا والعراق وانه يجند مئات الشباب ويتولى نقلهم من ليبيا الى سوريا ليلحقوا بأقرانهم هناك.وأكد أن الفوضى بالجنوب الليبى لا تقل خطورة حيث احتفظت قبائل الطوارق التى دافعت عن القذافى بكميات أسلحة هائلة فى مناطقها داخل ليبيا ومالى المجاورة وهربت بعضها لتنظيمات ارهابية عبر الحدود.وأوضح أنه قد لوحظ أن واشنطن لم تستخدم طائرات بدون طيار فى ملاحقة تلك الجماعات المتطرفة حتى الآن مثلما فعلت فى الصومال وأفغانستان وباكستان لأنها ترفض التدخل العسكرى المباشر وتفضل التنسيق مع حكومة مركزية لا وجود لها فى ليبيا.وعزا سبب التردد الأمريكى الى أن ادارة أوباما لا تعرف بالضبط كيف يتم الآن استخدام الأسلحة التى سهلت وصولها الى معارضى القذافى خلال الثورة ولا تستبعد أن يكون بعضها قد سقط فى أيدى جماعات متطرفة مثل أنصار الشريعة التى أعلنتها مؤخرا منظمة ارهابية. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى