تكتبه: نجلاء ذكري: في بداية عملي الصحفي.. أذكر نصيحة مخلصة بأن الثقافة تبدأ بدراسة التاريخ.. ومن الأمثال الشائعة أن من يتعلم من تجربته إنسان عاقل ومن يتعلم من تجارب الأخرين إنسان ذكي, ومن لا يتعلم من تجاربه الذاتية ويكرر أخطاءه فهو من الأغبياء. هذا يصدق علي البشر, وعلي الأنظمة السياسية, وعلي الدول. خطأ في الحسابات كلف الولاياتالمتحدةالأمريكية الكثير, عندما ذهبت مصر للبنك الدولي في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طالبة قرضا لبناء السد العالي, الغطرسة الأمريكية أنذاك وجهت العالم والمؤسسة الدولية الكبيرة إلي رفض طلب مصر فما كان من جمال عبد الناصر سوي التوجه شرقا لروسيا ليتم بناء السد العالي ولتتحول مصر والمنطقة العربية إلي الشرق وتتغير هيكلة المنطقة بالكامل طوال فترة الحرب الباردة وحتي مجئ الرئيس الراحل السادات وطرده للخبراء الروس وما أدخله من تحولات في السياسة الخارجية المصرية تجاه الولاياتالمتحدةالامريكية, وكان خروج مصر من تحت العباءة الروسية أول مسمار في نعش روسيا الإتحادية ليتفكك الإتحاد الروسي بفضل بروستوريكا ميخائيل جورباتشوف والتحول السياسي في المنطقة تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد التوجه الجديد في السياسة الخارجية المصرية, ولتأتي بعد ذلك الوساطة الأمريكية في ظل عملية السلام بالمنطقة وحصول مصر وإسرائيل علي النسبة الغالبة من المساعدات الخارجية الأمريكية بشقيها الإقتصادي والعسكري. وفي نهاية الثمانينيات أجريت حوارا خاصا للأهرام مع مدير هيئة المعونة الأمريكية في القاهرة أنذاك ناقشت خلاله أهداف المعونة الإقتصادية لمصر, وكانت قد شهدت تغييرا جوهريا فقال أن من بين الأهداف الكثيرة هدف دعم الديمقراطية من خلال منظمات المجتمع المدني وتطوير المشاركة السياسية. واليوم إتخذت القيادة السياسية والتنفيذية الحالية القائمة علي شئون البلاد خطوات إرتأت أنها مطلوبة في رقابة جمعيات المجتمع المدني والتحري عن أوجه إنفاق الدعم المالي الأجنبي المقدم إليها من الخارج وأهدافه, وهذا يدخل في صميم حق السيادة المصرية للتأكد من سلامة القصد والهدف من وراء هذا التمويل. وهذا الإجراء إتبعت الولاياتالمتحدةالامريكية ذاتها أعنف منه بكثير بعد مهاجمة القاعدة لبرجيها, حيث قامت بغزو العراق, وجندت العالم أجمع فيما عرف بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال والذي أصبح قانونا ملزما لكل دول العالم, وإلا فتجميد الأموال وشل حركة المصارف عن التعامل مع الخارج هو العقوبة. وفي ذلك الوقت تم تجميد حسابات عدد من البنوك الإسلامية حول العالم ولم يفتح أحد فمه. واليوم مع مجرد إجراء إحترازي بمراجعة سبل إنفاق أموال أجنبية تلقتها جمعيات أهلية نشأت وفق القانون المصري وهدفها خدمة المجتمع المصري تلوح الولاياتالمتحدة بسيف المعز وهو المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر, وتهدد بقطع هذه المساعدات بعد أن تلاشت تقريبا المساعدات الإقتصادية ولم يتبق منها سوي مبالغ محدودة تنفق علي مثل هذه الجمعيات وغيرها. وأخشي ما أخشاه أن يصطدم مثل هذا التهديد الأمريكي بسياج لم تكسره الأيام إسمه الكرامة المصرية لتقطع شعرة معاوية, خاصة بعد أن شهد العالم سقوط نظام مبارك القريب من الولاياتالمتحدة في18 يوما فقط, وبتحريض من مسئوليها في خطاب وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون الشهير آمرة الرئيس السابق بالتنحي قائلة: الآن يعني الآن, في الوقت الذي صمد فيه نظام الأسد في سوريا لشهور طوال بالرغم من كل ما يحدث هناك بفضل دعم حليفه الروسي. إن الولاياتالمتحدةالامريكية سعت إلي التغيير في المنطقة ومنذ سنوات طوال, ودفعت لمصر مليارات الدولارات من المساعدات الإقتصادية حتي يحدث الإصلاح الإقتصادي الذي يعد مقدمة رئيسية للإصلاح السياسي, وكان لتشبث النظام السابق بالحكم وما تردد عن فكرة التوريث, ورغبة الولاياتالمتحدة في إنهاء حربها ضد الإرهاب من خلال ديمقراطية الصناديق بمنطقة الشرق الأوسط, مقدمة لتهيئة المسرح لعملية تغيير واسعة النطاق قادتها شعوب المنطقة خاصة مع تنامي دور الطبقة الوسطي وفوق المتوسطة والتي قادت شرارة الثورات في مختلف البلدان العربية التي قامت بها, وهذه الطبقات الوليدة كانت نتاج عمليات الإصلاح الإقتصادي التي تمت علي مدي ثلاثة عقود من الزمان. هل ستستفيد الولاياتالمتحدةالامريكية من تجارب الماضي, أم ستكرر الأخطاء؟ مصر حليف قوي للولايات المتحدةالامريكية, ومن المعروف أن فترات التحول السياسي تعد من أضعف الفترات التي تحتاج إلي وقفات الأصدقاء, وليس التلويح والتهديد بقطع المساعدات. الولاياتالمتحدة لازالت في فترة نقاهة إقتصادية وبدأ بها مارثون الإنتخابات الرئاسية, أوربا الحليف الأول لأمريكا ضعيفة إقتصاديا بعد أزمات منطقة اليورو التي إستنزفتها, الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج والسعودية قلقة بفعل زلزال الثورات في المنطقة, روسيا وتركيا وإيران والصين خيارات مفتوحة خاصة مع المد الإسلامي الجديد. الآن يعني الآن.. نحتاج إلي الولاياتالمتحدة الصديق والحليف, وليس الملوح بسيف المعونات العسكرية.