بعد مظاهرات ومسيرات مليونية مشهودة في ذكري ثورة25 يناير, كتبت علي صفحتي بال فيس بوك ألخص رسالة ما شهدته, قائلا: إن الأمة المصرية لن تثق إلا في نفسها.. حتي تنال مرادها.. فلينتبه من توهم وأد الثورة.. وليتذكر من تصور خطفها.. أن النصر حليفها!! وفي مقالي السابق ب الأهرام وجهت ثلاث رسائل الي الإخوان والشباب والعسكري, دفعني إليها الأمل في أن يدفع شركاء الأمس نحو تجاوز المأزق الراهن, إنطلاقا من التفكير في المصلحة الوطنية المصرية!! ولا جدال أن ثمة تعلما إيجابيا, من دروس عام مضي; ملهم ومؤلم. أقصد أولا, درس وقائع الجلسة الأولي لمجلس الشعب, وخاصة بكلمة نجمها الدكتور أكرم الشاعر, الذي أبكي الأمة, حين ذكرها بواجب القصاص لشهدائها ومصابيها. وأقصد, ثانيا, وقائع الإحتفاء بذكري يوم الثورة, وخاصة بسلمية مسيرات ومظاهرات شباب الثورة, الذين استعادوا مجددا ثقة الملايين التي احتضنتهم قبل عام, فاستردت الثورة روحها وزخمها والثقة في وعدها. وأقصد, ثالثا, إعلان المجلس العسكري يوم الثورة عيدا قوميا, فقطع الطريق علي طرف ثالث بث شائعات التخويف والترويع من تخريب مزعوم وخراب موهوم, مستهدفا أن تكون ذكري الإحتفاء والإحتفال بالثورة هي يوم تشييعها لمثواها الأخير!! ولكن يبقي القلق مشروعا من إحتمالات إخفاق العسكري والإخوان والشباب في التقدم بحكمة واستقامة ووعي, نحو تحقيق شعار الثورة الشعب يريد.. بناء نظام جديد, بما يعنيه من حريات أساسية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ووطنية وتقدم وريادة!! وأما مبعث القلق فيكمن في أن ثورة25 يناير لا تزال تطل علينا بصور ثلاث: ثورة مغدورة وثورة مختطفة وثورة دائمة!! وأسجل أولا, أن الثورة تبدو مغدورة, من جانب المجلس العسكري الأعلي, الذي شارك في الإطاحة برأس ورموز نظام مبارك في إنقلاب قصر تحت ضغط الثورة الشعبية, وقد ألهمه إسقاط التوريث المشين, فتحقق أول وأهم إنتصارات الثورة. لكن المجلس, رغم مأثرة حمايته للدولة المصرية من السقوط, رأي أن شباب الثورة الوليدة قد تخطي حدود ما رحب به; فتجاهلهم بدلا من أن يحتضنهم, واستصغر شأنهم بدلا من أن يسلم برفعة قدرهم. ثم لاحق المجلس استمرار ثورة أبنائنا الشباب بتشويه صورتهم وتفتيت صفوفهم وقمع حركتهم وملاحقة نشطائهم, في معارك مريرة ودامية!! وقد تلاقت مع مواقف المجلس, موضوعيا ولا أقول تآمرا, قوي الطرف الثالث, التي فقدت مكانتها, لكنها لم تفقد نفوذها وأدوات تأثيرها في أجهزة الدولة الأمنية والاعلامية وغيرها, وواصلت دفاعها عن مصالحها الفاسدة وثرواتها المنهوبة, متصورة أن الثورة, التي لم تتسلم السلطة بعد, لاتزال جنينا يمكن إجهاضه! وثانيا, أن الثورة تبدو مختطفة من جانب الإخوان المسلمين, الذين تأخروا عن الثورة في أيامها الثلاثة الأول, في ظل عدم اليقين الذي أحاط بمصير شباب خرج في مواجهة جسورة تواجه جحافل وأسلحة آلة قمع أمني هائلة; بناها النظام لحمايته ولتمرير التوريث. وقد تذرع الإخوان بخشيتهم إن التحقوا بالثورة أن يسحقها النظام بزعم أنها مؤامرة متطرفين إسلاميين!! وإن كان قسم من شباب الإخوان قد تمرد وإنضم الي ثورة الشباب متجاهلا صرامة مبدأ السمع والطاعة أمام نداء الضمير. بيد أن لحاق جماعة الإخوان بالثورة كان عاملا حاسم الأهمية دون ريب في انتصارها, فصارت شريكا عن استحقاق. وقد كسب حزب الإخوان الأغلبية في أول إنتخابات برلمانية غير مزورة, وبنسبة لم تكن لتتغير كثيرا في رأيي حتي لو لم يوظفوا الدين والمال في الإنتخابات. لكن نزعة الإخوان لإختطاف الثورة تجلت قبل هذا في رفضهم وضع الدستور أولا, ثم رفضهم الوفاق الوطني علي المباديء الأساسية للدستور وضوابط تشكيل الجمعية التأسيسية. ثم تكررت نزعة الإخوان لنبذ ضرورة الوفاق الوطني بالسعي للهيمنة علي لجان البرلمان, وهو ما أشعل كل الهواجس بشأن وضع دستور يحمي دولة المواطنة. ويبقي أن تعامل الأغلبية الإخوانية مع الأقلية المعارضة في البرلمان بمنطق المغالبة, وتوظيفها فزاعة شباب التحرير للمساومة النفعية; ينذر بنزعة الي الهيمنة والسلطة المطلقة, ولن يعدو منطق النظام السابق, الذي تعامل بإستخفاف مع المعارضة, ووظف فزاعة المحظورة!! وثالثا, أن الثورة تبدودائمة لأنها رغم ما حققته من إنجازات لا تنكر, لا تزال تواجه مأزق عدم تحقيق الشرط الحاسم لإكتمال أي ثورة; وهو أن تتسلم قوي الثورة سلطة الدولة; فبقي شباب وقوي الثورة أسري مرحلة استكمال تحقيق شعار الشعب يريد إسقاط النظام!! وفي سياق صدامات متتالية مع المجلس العسكري, رفع نشطاء ثورة25 يناير من الشباب شعار إسقاط حكم العسكر, الذي لم يلق تأييدا جماهيريا, حتي كانت موقعة مجلس الوزراء فنال الشعار تأييدا صاخبا من نساء مصر ومن انتصروا لهن, ثم جاءت مليونية ذكري الثورة حيث لقي الشعار استجابة جماهيرية واسعة, حتي رددته منصة الإخوان المسلمين في الميدان!! بعد أن اتضح للقاصي والداني أن المجلس غير مؤهل لإدارة الحكم وسياسة الأمة, وأن المصلحة الوطنية تتطلب سرعة نقل الحكم الي سلطة سياسية منتخبة. وقد سلم المجلس سلطة التشريع والرقابة بالفعل الي مجلس الشعب المنتخب, ولا يملك إلا أن يقوم بتسليم السلطة التنفيذية العليا الي الرئيس المنتخب. وقد رفض الإخوان والسلفيون, وهم غالبية البرلمان, دعوات شباب الثورة الي تسلم رئيس مجلس الشعب رئاسة الدولة مؤقتا, أو انتخاب رئيس مؤقت من خارج البرلمان, حتي تتم الانتخابات الرئاسية خلال ستين يوما, أي في بداية أبريل. وقد حدد المجلس العسكري موعدا للإنتهاء من إنتخابات الرئاسة قبل بداية يوليو, أي بفارق لا يتعدي ثلاثة أشهر. ورغم هذا, فان أزمة الثقة وعدم اليقين تقتضي من المجلس تحديد موعد مبكر لهذه الانتخابات, لا يرتبط بالانتهاء من وضع الدستور, وهو ما يتسق مع إستفتاء التعديلات الدستورية, ويثبت للأمة أنه استوعب ولو متأخرا معني الثورة!! وأخيرا, أعتقد أنه لابد من توازي مسار الشرعية الثورية مع مسار الشرعية الدستورية حتي تبني أسس النظام الجديد. لكن دور شباب الثورة, لا ينبغي أن يبقي مرادفا لثورة دائمة وإنما تجسيد لمعارضة ثورية; تحمي استكمال مهام الثورة, وتتوافق أو تتنازع في إطار الوحدة الوطنية مع المعارضة الاصلاحية وقوي الأغلبية; من أجل كسب عقول وقلوب الأمة. وفي مجري تفاعلات الوحدة والصراع, علي الإخوان إدراك أن التوافق بدلا من التنازع, كما دعا مرشد الجماعة, لن يكون بغير وفاق وطني علي دستور يحمي حقوق المواطنة, التي سيكون إحترامها معيار إعادة الإختيار للناخبين, الذين يتطلعون لحياة أفضل علي الأرض, وليس لصكوك غفران تدخلهم الجنة في السماء. وعلي الشباب إدراك أن وعد الثورة لن يتحقق بفرض إرادة الأقلية وإنما بكسب الأغلبية; عبر عمل سياسي ومنظم وسلمي ودءوب يكسب الأمة الي صف الثورة. وعلي السلطة الإنتقالية والمنتخبة إدراك أنه ليس بمقدورها فرض الاستقرار بأدوات القهر والقمع والخداع مع شباب وشعب عرف طريقه الي الثورة. المزيد من مقالات د. طه عبد العليم