مثل القمم الثلاث السابقة لا يتوقع أن تنفذ مقررات القمة الأوروبية الافريقية الرابعة التى عقدت بمشاركة مصرقبل يومين لأسباب بعضها أوروبى ومعظمها افريقى أهمها عدم توافر الثقة المتبادلة ولا السياسات الحكومية أوالبنى التحتية اللازمة لاستثمار ما تحصل عليه دول افريقيا من مساعدات فى تحسين الاقتصاد ومعيشة شعوبها. ولأن أوروبا هى الشريك التجارى ومانح المساعدات الأول لإفريقيا التى تحتاجها بشدة ولأن الدول الافريقية منجم للثروات الطبيعية تغرف منه الشركات الأوروبية بأبخس الأسعار،لا يمكن لأى منها أن يستغنى عن الآخر رغم الانتقادات المتبادلة.فأوروبا تصدر لإفريقيا بنحو 153 مليار يورو وتستورد بنحو 168 مليارا سنويا وفقا لإحصاء 2013.وبلغ حجم المنح الأوروبية لإفريقيا 35 مليار يورو فى 2006 على سبيل المثال.فى الوقت نفسه تعتبر افريقيا بسكانها الذين يناهزون المليار سوقا استهلاكية واسعة للمنتجات الأوروبية لافتقار الغالبية العظمى من دولها لقاعدة صناعية تغنيها عن الاستيراد،كما أن تحسين مستوى معيشة شعوبها يحد من هجرة الأفارقة غير المشروعة لأوروبا. فى ختام القمة الثالثة بطرابلس ليبيا 2010 تعهدت دول أوروبا بزيادة مساعدات التنمية لدول افريقيا الى 66 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات للحد من الفقر.وقبلها فى 2005 أقرت المفوضية الأوروبية زيادة معونات التنمية من 13 مليار يورو الى 20 مليارا سنويا بدءا من 2010 لانفاقها على البنية التحتية،وهوما يمثل 45% من اجمالى المساعدات الخارجية لافريقيا.لكن يبدو أن دولا عديدة لم تستفد منها لأسباب من بينها شروط الحكومات الأوروبية للحصول عليها وفى مقدمتها احترام حقوق الانسان والحكم الديمقراطى والقضاء على الفساد والعمل لوقف النزاعات العرقية والقبلية والدينية وانتهاج اقتصاد السوق الحرة،وهى شروط غير متوافرة بدرجة أو أخرى فى معظم البلدان الافريقية.فإفريقيا تفتقر الى جاذبية الاستثمار المباشر باستثناء قطاعات الطاقة والمناجم لضعف البنى التحتية والنزاعات الأهلية.كما تعارض كثير من دولها مبدأ اقتصاد السوق المفتوحة خوفا على صناعاتها الوليدة من الاغراق اذا أزالت القيود عن الاستيراد مقابل إلغاء القيود الأوروبية على دخول السلع الافريقية لأن الأخيرة غير قادرة على المنافسة باستثناء المواد الخام الاستراتيجية مثل البترول والذهب والماس واليورانيوم والكوبالت.أما شرطا الديمقراطية واحترام حقوق الانسان فقد نفذتهما دول افريقية كثيرة بدرجة أو أخرى بينما لم تفلح فى القضاء على الفساد المستشرى (400 مليار دولار سنويا) ولا احتواء النزاعات.وهنا نذكر تحذير الرئيس الأمريكى باراك أوباما للقادة الأفارقة عام 2010من أنهم لن يحصلوا على استثمارات قبل التخلص من الفساد حيث يطلب مسئولون فى الأجهزة الحكومية ما بين 10% الى 25% من قيمة الصفقات فترفض الشركات. قمة بروكسل اختارت الاستثمار فى الموارد البشرية والازدهاروالسلام شعارا لها،وسبقتها قمة طرابلس حاملة شعار الاستثمار والتنمية الاقتصادية وفرص العمل.ومع ذلك مازالت نسبة الذين يشغلون وظائف ثابتة فى دول جنوب الصحراء الافريقية البالغ عددها 34 تتراوح بين 6% و25% فقط ويهيم الباقون على وجوههم بحثا عن لقمة العيش اما ببيع أشياء بسيطة بالشوارع والتسول والسرقة أوالسعى للهجرة غير المشروعة الى أوروبا ودول الخليج.فعدد الأفارقة فى سن العمل لا يقل عن 150 مليونا حاليا ومن المتوقع أن يرتفع الى 300 مليون بحلول عام 2050.ولعدم وجود فرص عمل وتردى مستوى المعيشة وتفشى الفقروالمرض يحاول الشباب التسلل الى أوروبا والخليج فيموت منهم الآلاف عطشا وجوعا ومرضا بالصحراء أوغرقا فى البحرين الأبيض والأحمر.وقدرت منظمات مهتمة بشئون المهاجرين غير الشرعيين عدد الذين لقوا حتفهم قبل وصولهم الى أوروبا خلال السنوات العشرين الأخيرة بنحو 20 ألفا.كما يعانى نحو 200 مليون من نقص الغذاء ويواجه ما لا يقل عن 40 مليونا الموت جوعا فى مناطق يتكرر فيها الجفاف. ورغم ما قدمته أوروبا من مليارات الدولارات لمكافحة الايدز والملاريا والحمى الشوكية وأمراض متفشية أخرى ولتمويل وتدريب قوات حفظ السلام فى مناطق الاضطرابات واسقاط الديون عن الدول الأشد فقرا،الا أنها لم توفق مثلا فى الاتفاق مع الأفارقة على مشروع ضخم ينهى أزمة الغذاء فى القارة باستغلال جزء من مواردها المائية الوفيرة وأراضيها الخصبة غيرالمستغلة.فسهل غينيا العشبى الممتد من السنغال شمالا الى أنجولا جنوبا(1500 مليون فدان) لا يستغل منه حاليا سوى 10% ويتسع لإنتاج غذاء يكفى حاجة العالم كله مرتين. وفى جنوب السودان 75 مليون فدان لا يستغل منها سوى 5% وفى أوغندا 35 مليون فدان وأضعافها فى السودان واثيوبيا لا يستغل منها أكثر من 30%.لوتعاونت دول أوروبا مع حكومات تلك الدول لزراعة جزء من هذه الأراضى لما جاع افريقى ولتوافر الغذاء لأكثر من مليار انسان فى دول العالم الأخري. هناك احصائية مذهلة تقول ان نحو 800 مليون انسان فى افريقيا جنوب الصحراء لا يزيد استهلاكهم من الكهرباء على ما يستهلكه سكان نيويورك الذين يقدر عددهم بنحو 19 مليونا ولا يزيد عدد الهواتف الثابتة لديهم على ما لدى سكان جزيرة مانهاتن فى نيويورك أيضا. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى