فى اول خطوة اتخذها الرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند بعد الفشل الذريع لحزبه فى الانتخابات البلدية الأسبوع الماضى-. أوكل فيها رئاسة الوزراء لمانويل فالس الذى كان يشغل وزارة الداخلية منذ 22 شهرا..ليخلف بذلك رئيس الوزراء السابق جان مارك ايروه الذى راح كبش فداء لسياسة الاشتراكيين. والاجراءات المتخذة على مسار السياسية الفرنسية الداخلية الراهنة تبدو كلها استثنائية، حيث شكل فالس البالغ من العمر 51عاما وزارة مصغرة،عدد وزرائها( 16) وزيرا، وذلك للمرة الاولى فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. ويعول على فالس الذى خاض طريق الكبار على المسار السياسى منذ سن 16 عاما إيجاد اجراء اصلاحات سريعة يلمسها المواطنون فى مقدمتها تخفيض حجم البطالة، وإبجاد فرص عمل جديدة،وتخفيض الضرائب، ورفع مستوى المعيشية، وإقرار الأمن!. فالحكومة الحديدية حديث اليوم،ابقى فيها التشكيل الجديد علي( 14) وزيرا من الحكومة السالفة مع دخول وجهين جديدين من اهل الثقة والمقربين..اهمهما المرشحة الرئاسية السابقة سيجولن روايال التى كانت الشريكة - السابقة - لاولاند وهي ايضا-ام لاولاده الاربعة..كما انها المرأة الوحيدة فى تاريخ فرنسا التى استطاعت الوصول للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية فى 2007..حلت روايال ثالثة على الترتيب الوزارى بتوليها لحقيبة البيئة والتنمية المستديمة والطاقة.اما الشخصية الثانية،فهو فرانسوا ربسامن الذى اسند إليه واحدة من اصعب المسئوليات، وزارة العمل بميراث ثقيل من الهموم حجمه 3 ملايين عاطل تقريبا. فالرئيس اولاند الذى يواجه انتقادات عنيفة وتدنيا فى مستوى شعبيته اراد امتصاص غضب الفرنسيين بإيجاد حكومة مناضلين او محاربين مصغرة حسب تعبيره-تكون متماسكة ومتلاحمة لتطبيق ميثاق المسئولية الذى يشكل حجر الزاوية فى سياسته الاقتصادية من اجل خفض الأعباء على الشركات..وفى المقابل إيجاد فرص عمل لتقليل حجم البطالة المتنامي.كما وعد اولاند فى خطبته التى القاها عبر التليفزيون بتعزيز العدالة الاجتماعية،وخفض الضرائب على الفرنسيين بحلول 2017 . اما عن الخطوط العريضة لسياسة مانويل فالس فى المهمة الصعبة التى أوكلها اياه الرئيس، تتمثل فى التوفيق بين خفض العجز والضرائب وتتلخص فى سرعة الاداء والانجاز مع عدم القطيعة لسياسية سالفه جان مارك ايروه.ويذكر ان رئيس الوزراء الفرنسي السابق جان مارك ايروه قدم استقالته حكومته الى اولاند، غداة الهزيمة التى منى بها اليسار فى الانتخابات البلدية. وقد وضع مانويل فالس منذ 22 شهرا تولى فيها وزارة الداخلية ملف الامن ومكافحة العنف والتسول والارهاب من اولوياته كما عمل على زيادة اعداد دوريات الشرطة فى المدن والضواحي..وكانت هذه الملفات من اهم النقاط التى اكد عليها حينما اوكل مهام حقيبة الداخلية لاحد المقربين لاوند وهو برنار كازانوف مشددا على ضرورة استكمال حزمة من القضايا المهمة على راسها تنظيم الهجرة وتعديل اسلوب التعامل مع ملف اللجوء السياسى ويليه مباشرة تنظيم تعامل فرنسا مع الديانات-خاصة المسلمين- بما يتناسب مع علمانية الدولة الفرنسية. ومن الواضح ان لعبة الشطرنج بدأت بتغيير الادوار اقتضاء بسياسية-الرئيس السابق-ساركوزى بالميل الى اقصى اليمين..بغية قطع الطريق على اليمين المتطرف فى الانتخابات الرئاسية المقبلة..حيث ان فالس يتهم بكونه قريبا فى أفكاره من اليمين.وقد أثار تعيينه كرئيس وزراء ردود فعل معارضة من جبهة اليسار،حيث طرح حزب أوروبا البيئة - الخضر العضو فى الغالبية الحاكمة الحالية شروطه لدعم الحكومة المقبلة ليواجه فالس تحديات صعبة من داخل معسكره كخارجه، كما شهدت تلك اللحظات الفارقة فى مسار الاشتراكيين بالسلطة انسحاب وزيرين من أنصار البيئة فى الحكومة المنتهية، سيسيل دوفلو وزيرة الإسكان، وباسكال كانفان وزير التنمية، وقد أعلنا فور تسمية فالس لرئاسة الحكومة أنهما لن يشاركا فى هذه الحكومة الجديدة معتبرين أن فالس لا يحمل الرد المناسب على مشاكل الفرنسيين. وربما نلمح السبب الثانى لانسحاب الخضر من خلال تصريحات الامين العام للخضر الذى قال:أن حزبه آخذ علما برغبة رئيس الجمهورية فى استخلاص الدروس من نتائج الانتخابات البلدية،واستخلص عزم الرئيس اولاند خفض الاعتماد علي النفط والنووي. ومن ناحيتها المعارضة اليمينية اشارت الى ان التشكيل الحكومى الجديد اقتصر على الحزب الاشتراكي،كما لو كان اولاند يكافئهم على فشلهم فى الانتخابات البلدية المنصرمة بدلا من حرمانهم من الممارسة السياسية!. اما زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن فقالت إن التعديل الحكومى لا يغير شيئا لأن ما ينتظره الفرنسيون هو تغيير فى السياسة وليس بصفقة حكومية. اما الوجه الجديد الذى دخل قصر رئاسة الوزراء فهو من مواليد برشلونة بإسبانيا-فى 13 اغسطس عام 1962-من اب اسبانى وام سويسرية-ايطالية،وكان والده رساما معروفا فى كاتالونيا هاجر إلى فرنسا فى نهاية خمسينات القرن الماضى بعد حصوله على منحة عمل. ويذكر ان فالس من عشاق وأنصار نادى برشلونة لكرة القدم،وان ملحن نشيد الفريق هو ابن عم والده. تزوج مانويل فالس مرتين ثانيهما عام 2010 من عازفة الكمان آن جرافون التى تعزف إلى جانب فنانين ومغنين عالميين..عمل بالسياسية منذ ان كان بجامعة السربون فى اتحاد الطلبة وكان عمره 17 عاما،حصل على الجنسية الفرنسية، وكان عمره عشرين عاما.تم انتخابه فى 1986 كمستشار فى المجلس الجمهورى لمنطقة ايل دو فرانس،عن سن 24 سنة،و كان فالس أصغر سياسى تقلد هذا المنصب فى التاريخ السياسى الفرنسي.وفى 1988،عُين فى ديوان الوزير الأول ميشيل روكار كمستشار فى الشئون الطلابية.كما اشتغل عام 1997 كمستشار اعلامى فى ديوان رئيس الوزراء الاسبق ليونيل جوسبان.. شغل عدة مناصب اختتمها برئاسة الوزراء يعرف عنه شعبيته لدى شباب الضواحي واغلبهم من المهاجرين حيث انتخب عمدة لايفرى الضاحية الباريسية الساخنة والمعروف عنها ميلها لليسار ذلك فى الفترة مابين 2001، و2012.ثم نائبا برلمانيا عن دائرة ايسون من 2002 حتى 2012،ثم شغل منصب وزير الداخلية من 16 مايو 2012 ..زادت شعبية مانويل فالس فى 2013 بعد صدور كتاب عن سيرته الذاتية تأليف جيل فيرديس وجاك هينين، كشف فيها للفرنسيين عن قصته ومساعدته لأخته جيوفانا للخروج من جحيم إدمان المخدرات. وجاء توليه رئاسة الوزراء خلفا لجان مارك ايروه في31مارس 2014.ذلك بقرار جمهورى حسب الدستور الفرنسي.ليحتل مانويل فالس منصب رئيس الوزراء الحادى والعشرين فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة. ويعد فالس واحدا من ابناء المهاجرين الاوروبيين الذين دخلوا تاريخ فرنسا باعتلائهم مناصب محورية فى الدولة بعد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي،الذى كان من اصل مجري.وعلى نفس الخطى تأتى الاشتراكية آن ايدالجو الأندلسية التى تولت منصب اول امرأة كعمدة لبلدية باريس-مؤخرا-..وما خفى كان اعظم فقد تكشف الايام القادمة عن تولى احداهما لرئاسة الاليزيه بعد خوض الانتخابات المقرر لها 2017.