عندما اعلن المهندس ابراهيم محلب عقب تكليفه بتشكيل الحكومة يوم 2 مارس 2014 انها ستكون حكومة حرب استدعت ذاكرتى احداث ما قبل حرب اكتوبر عام 1973 عندما كانت تطرق آذاننا عبارات «حكومة حرب»، و«اقتصاد حرب»، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فعقدت مقارنة بينها وبين ما جاء فى مذكرات ونستون تشرشل عن الحرب العالمية الثانية فلاحظت تشابها قد يصل الى حد التطابق بين ما تعرضت له بريطانيا منذ عام 1938 وحتى انتصار الحلفاء على المانيا عام 1945 وما تعرضت وتتعرض له مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، ومن ثم قررت سرد وقائع الاحداث التى تعرضت لها بريطانيا بتسلسل وقوعها وما على القارئ سوى استرجاع ما حدث فى مصر بحكم المعايشة واستخلاص مدى التطابق واستنتاج الدروس المستفادة منها. بحلول مساء 26 سبتمبر 1938 اعلن هتلر فى برلين ان على تشيكوسلوفاكيا ان تجلو فى الحال عن بلاد السوديت وإلا تتحمل النتائج، فطار تشمبرلين رئيس وزراء بريطانيا الى المانيا وفى ميونيخ وقع مذكرة معها صباح يوم 30 سبتمبر تضمنت الموافقة على المطالب الالمانية ثم عاد الى انجلترا ولوح بورقة البيان المشترك التى وقعها هتلر بمجرد هبوطه من الطائرة، إلا ان ذلك لم يمنع المانيا من اجتياح تشيكو سلوفاكيا واحتلال وارسو عاصمة النرويج. تعاظمت المعارضة ضد رئيس الوزراء البريطانى نتيجة احتلال القوات الالمانية للدول الاوروبية الواحدة بعد الاخرى، فالتفت تشرشل وزير الحربية نحو رئيس الوزراء وبادره قائلا: «إن القضية اكبر من مجرد معارضة، لقد طالبتنا بالتضحية، والشعب كله مستعد للتضحية اذا ما رأى القيادة الصالحة، إننى اعلن بكل جدية ان رئيس الوزراء يقدم المثل للشعب على التضحية فليس ادعى للنصر فى هذه الحرب من ان يضحى بمنصبه». وبحلول العاشر من مايو عام 1939 كلف الملك تشرشل بتأليف الوزارة التى ظل يقودها على مدى خمس سنوات وثلاثة اشهر. طلب تشرشل من مجلس العموم الاقتراع على الثقة بالحكومة وبعد ان قدم للمجلس خطة الوزارة ختم كلامه بقوله: «ليس لى ما اقدمه لكم سوى الدم والعرق والدموع، ثم تابع بقوله: «هذه هى سياستنا، وقد تسألون ما هو الهدف وردى على ذلك كلمة واحدة وهى النصر مهما كلفنا من ثمن، النصر رغم طول الشقة ووعورة الطريق، فلا حياة لنا دون هذا النصر، وعليكم ان تعرفوا جميعا انه ليس لبريطانيا بقاء دون هذا النصر، وقد قبلت تحمل المسئولية ويحدونى الامل والعزم الصادق وانا على ثقة بان قضيتنا لن ينالها الفشل فلنتقدم معا الى الامام نحو النصر متكاتفين يدا واحدة». ادرك وزراء الحكومة انه من الضرورى الحصول على سلطات استثنائية من البرلمان بقانون أعدوه يضمن للحكومة بعد اقراره السلطة الكاملة على حياة وحريات وممتلكات الشعب البريطانى. كان الوقت بالنسبة لبريطانيا وقت عمل الى آخر رمق أو طاقة، وكان الشعب متحدا اتحادا لا مثيل له فى التاريخ وكان الرجال والنساء يعملون وراء الآلاف من الاجهزة فى المصانع حتى يصابوا بالاعياء ويحل محلهم آخرون جاءوا قبل الموعد المقرر لهم، وقد صمم الشعب على أحد أمرين النصر أو الموت ولم تكن بهم حاجة الى اثارة مشاعرهم بالخطب الحماسية. فى هذه الآونة من صيف عام 1940 «اضحت بريطانيا بمفردها» بعد سقوط الدول التى حولها وأيقن العالم ان الحكومة والشعب فى بريطانيا ليس امامها سوى القتال حتى النهاية وهو ما حدث وأدى بعد ملحمة صمود رهيبة الى النصر وهزيمة واستسلام دول المحور «المانيا، وايطاليا، وتركيا، واليابان» فى الحرب العالمية الثانية 1939 1945.. إن مصر تتعرض بالفعل لحرب كونية شرسة، وفى ظنى انها تشكل اخطر تهديد تعرضت له بطول التاريخ الانسانى، وآمل ان يكون القارئ قد ركز على عبارات محددة فى المقال واستوعب مدلولها ويمكن ايجازها فى الآتى: توقيع تشمبرلين رئيس وزراء بريطانيا لمذكرة تفاهم مع هتلر فى ميونيخ لتلافى الصدام مع المانيا دون الرجوع للبرلمان وبالرغم من ذلك فإن هتلر اجتاح معظم الدول الاوروبية. ضحى تشمبرلين بمنصبه كرئيس للوزراء عندما تصاعدت المعارضة ضده. قبول تشرشل تحمل المسئولية خلال ظرف استثنائى فى تاريخ البشرية. معارضة تشرشل فى اول خطاب له فى البرلمان البريطانى بانه ليس لديه ما يقدمه لهم سوى الدم والعرق والدموع، وانه ليس لبريطانيا بقاء سوى النصر فى الحرب وعلى الشعب ان يختار إما النصر او الموت، وفى سبيل تحقيق النصر طلب من النواب سلطات استثنائية فمنحوه اياها. انجلترا بعد اجتياح أوروبا «اصبحت بمفردها» ومن ثم قررت القتال حتى النهاية، وهو نفس موقف مصر بعد انهيار ليبيا فى الغرب، وتقسيم السودان فى الجنوب، ومحاولة تركيع سوريا فى الشمال، وتفشى الارهاب شرقا فى سيناء وانهيار اليمن فى الجنوب الشرقى. عندما انتصر الحلفاء فى الحرب كانت كلمة السر فى تحقيقه تكمن فى كلمتين «صمود الشعب». إننى متفائل.. ويقينى ان مصر بشعبها العظيم سوف تنتصر فى معركتها المصيرية. لواء د.إبراهيم شكيب