الإرهابيون يعتقدون أنهم يقدمون أرواحهم فداء للإسلام، وأنهم ذاهبون للشهادة ودخول الجنة... تلك هى الأزمة الحقيقية التى يواجهها العالم الإسلامى كله مع دعاة الفكر التكفيري، وجوهر تلك الأزمة هى عقول هؤلاء المغيبة والمحشوة بالأباطيل، والأمر المؤكد أن الاعتماد على الحلول الأمنية وحدها لا يكفي، ولابد من الاتجاه فورا الى مواجهة هذه الأفكار اللعينة وتصحيحها ليعرف هؤلاء أنهم فى الجانب الخطأ، وأنهم يخالفون تعاليم الإسلام السمحة، وأن الإسلام منهم براء. تحية الى الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذى تبنى فكرة إقامة مؤتمر عن الفكر التكفيرى، وكيفية مواجهته تحت رعاية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وخلال المؤتمر دق الإمام الأكبر جرس الإنذار بعنف، مشيرا الى أن آفة التكفير تنتشر بين المسلمين فى إفريقيا وآسيا حيث يقع الضحايا ويقتل الآمنون وترتكب الجرائم باسم الإسلام، الأمر الذى يستغله أعداء الإسلام لترويج أن الإسلام دين دموى يسفك الدماء. أهم ما قاله شيخ الأزهر، هو أن السجون ليست السبيل الوحيدة لمواجهة التشدد، وأن التكفير بدأ مع الخوارج، ثم ظهر فى مصر فى الستينيات كرد فعل على الاضطهاد حيث نشأ التكفير فى عام 1968 على يد جماعة التكفير والهجرة، لتعبر عن سطحية فكرهم كرد فعل على الاضطهاد وما يتعرضون له من أزمات، فكانت أحكامهم خاطئة لأنها ليست نابعة من فكر سليم، وانما هى تعبير عن قهر وضغوط، ودعا الى عودة الوعى بمذهب أهل السنة والجماعة للتضييق على التكفير فى أضيق الحدود، وأن يكون معياره الوحيد هو إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وارتكاب كبيرة الشرك فقط، وهذا هو مذهب الجمهور الذى يعبر عن عفو الله ورحمته ويعكس يسر الإسلام. أرجو أن يكون المؤتمر بمثابة الحجر الذى يحرك المياه الراكدة فى المجتمعات الإسلامية، لبدء خطة عمل تستهدف استئصال الفكر التكفيرى من المجتمعات الإسلامية على المحاور التالية: أولا: مراجعة الأفكار التكفيرية فى كتب التراث، أو الكتب التى صدرت حديثا، والرد عليها بالأسانيد والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، فى إطار جهد بحثى منظم يشارك فيه كبار العلماء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وبلورة تلك الجهود الى كتب يتم إصدارها وبيعها بأسعار رمزية لتكون فى متناول الجميع. ثانيا: تضمين المناهج الدراسية وليست مادة التربية الدينية فقط خطورة الأفكار التكفيرية، ليتعلم التلاميذ صحيح الدين منذ نعومة أظفارهم وتحصينهم ضد تلك الأفكار. ثالثا: عمل مناظرات وندوات داخل السجون وخارجها، لمناقشة تلك الأفكار الخاطئة وإذاعة تلك المناظرات والندوات فى وسائل الإعلام المختلفة، على غرار ما حدث فى التسعينيات من مراجعات أدت الى تصحيح أفكار الكثيرين، وتعديل مسارات أفكارهم الخاطئة. رابعا: أن يتضامن الأزهر مع وزارات الأوقاف، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والإعلام، والتضامن الاجتماعى (الجمعيات الأهلية)، وغيرها من المؤسسات فى رفع شعار «الوقاية خير من العلاج»، لحصار الفكر التكفيرى واستئصاله من المجتمع بالحوار الجاد والموضوعي، فى إطار خطة منظمة ومستمرة ومتكاملة لا تنتهى إلا بنجاحها فى تحقيق أهدافها. خامسا: عدم تحميل الأمن مسئولية المواجهة وحده، فالحلول الأمنية مطلوبة، لكنها ليست الحل الوحيد، مع تطوير تلك الحلول الأمنية بحيث تعتمد هى الأخرى على مبدأ الوقاية وضبط الخلايا التكفيرية والإرهابية قبل ارتكابها الجرائم، على أن يستتبع ذلك فتح حوارات ومراجعات مع هؤلاء التكفيريين داخل السجون بحضور كبار العلماء، تمهيدا لإعادة دمجهم فى المجتمع مرة أخرى اذا عادوا الى جادة الصواب، واقتنعوا بخطأ فكرهم، والاستعانة بهم بعد ذلك فى المراجعات الفكرية مع الآخرين، كما حدث فى حالات د. ناجح إبراهيم وكرم زهدى ونبيل نعيم وغيرهم. أخيرا أرجو أن يستكمل الأزهر تلك الخطوة الشجاعة، التى أطلقها خلال المؤتمر الدولى الثالث والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمواجهة الفكر التكفيري، وأن تستتبع ذلك المؤتمر سلسلة من الخطوات الأخرى بالتنسيق مع جميع دول العالم الإسلامي، لأن القضية لا تعنى مصر وحدها، وانما تعنى العالم الإسلامى كله، لننفى عن الإسلام تهم العنف وسفك الدماء التى هو منها براء. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة