مع تزايد المطالبات الفئوية والتهديد بالإضرابات من أجل زيادة الرواتب، وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ الحد الأدنى للأجر للجميع، تزداد الفوضى فى المجتمع بسبب معاناة المواطنين من الإضرابات وبسبب توقف الإنتاج مما يزيد من تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية. الخطوة الأولى التى على الحكومة أن توضحها للجميع أن الأجر مقابل عمل وليس صورة من صور الإعانات الاجتماعية، لأنه فى الواقع أن الكثيرين من العاملين يعتبرون أن هذا الأجر لا علاقة له بحجم العمل الذى يقومون به، لذلك نجد الأطباء لا يعملون فى المستشفيات العامة والوحدات الصحية ويتركونها فى أوقات العمل الرسمية ليعملوا فى المستوصفات والعيادات الخاصة ثم يضربون للمطالبة بزيادة الأجور، وكذلك المدرسون وسائقو النقل العام والعديد من المهن والوظائف التى تزداد فيها البطالة المقنعة، حيث تزداد أعداد الموظفين وكل منهم يلقى بالعمل على غيره الذى لا يعمل هو الآخر، وهو ما يؤدى إلى الظاهرة الشائعة فى كل المكاتب الحكومية من انتقال المواطن صاحب الحاجة من مكتب لآخر دون أن يجد من ينجز له ما يريد دون أن يدفع رشوة أو تكون له واسطة، ونتيجة عدم الربط بين العمل والأجر نجد أن كل من يشتكى من قلة الدخل يقول من أين يأكل الأولاد (تاخدهم الحكومة لتأكلهم ) بينما لو كان مفهوم ارتباط الأجر بالعمل سائدا لكانت الشكوى انه يعمل ما عليه بأمانة ولا يحصل على الأجر الذى يستحقه من حجم العمل الذى قام به، وليس أن تكون الشركة خاسرة ثم يطالب بنصيبه من الأرباح غير المتحققة أصلا وتزداد الملهاة عندما توافق الحكومة على توزيع الأرباح على شركات خاسرة، فلماذا يعمل العمال ؟ من المعروف أيضا أن حكومات عهد مبارك ونتيجة لسياسات الإصلاح الاقتصادى كانت قد توقفت عن التعيين فى الجهاز الإدارى، ولكن لأننا أساتذة فى التحايل فلقد تفتق ذهن البيروقراطية الحكومية عن إيجاد مخرج لذلك وهو الوظائف المؤقتة اسما التى تتحمل أجورها الصناديق الخاصة كوسيلة لتعيين المحاسيب، ولقد ازداد حجم هذه الوظائف بحيث استطاعت بعد ثورة 25 يناير أن تفرض على الحكومات المتعاقبة تثبيت هؤلاء المؤقتين وبالتالى تزايد عدد الموظفين الذين لا يجدون ما يعملونه أصلا، وزادت المشكلة بما يسمى تعديل الوضع الوظيفى لمن يحصل على مؤهل. نتيجة لكل هذه الأوضاع المتردية فى الجهاز الإدارى للدولة والتى لا تساعد على تحقيق أى تقدم بل تسهم فى تعميق التخلف، يجب على الحكومة إذا كانت تسعى للتطوير أن تجعل هدفها هو إصلاح هذا الجهاز الإدارى المترهل الذى يعانى الفساد وعدم الكفاءة، وبالطبع ستجد كل من لا يعمل يعارض أى إصلاح، لذلك اعتقد أنه يمكنها تحقيق هذا الإصلاح من خلال ربط المطالبات الفئوية بتحقيق الإصلاح الهيكلى للوظائف، فهذه هى فرصتها الذهبية للإصلاح من خلال ربط الإصلاح المطلوب بتحقيق المطالبات الفئوية، وذلك بأن تعلن انه لا زيادة فى الأجور دون ربط الأجر بحجم ونوعية العمل، وانه على كل جهة أن تقوم بوضع مخطط لما تقدمه من عمل وحجم العمل المطلوب من كل موظف بهدف تقديم خدمة لائقة للمواطن ثم ربط حجم العمل بالأجر. مثالا على ذلك نعرضه من خلال حالة موظفى الشهر العقارى الذين أضربوا لعدة أيام حتى اجتمع بهم رئيس الوزراء ابراهيم محلب ووعدهم بتنفيذ مطالبهم خلال ثلاثة أشهر، بينما كان الأصوب فى اعتقادى أن يقول لهم إن مرتباتهم ستزيد عندما تقوم المصلحة بتحديث خدماتها بحيث تقل (إن لم تنته) معاناة المواطن الذى يطلب خدمة منهم، وان عليهم وضع لائحة بكيفية وخطوات تقديم الخدمات للمواطن، فمثلا عندما يذهب مواطن لعمل توكيل لمحامٍ، من الأعمال التى عليه أن يؤديها من مكتب لآخر أن يذهب إلى موظف كل ما عليه أن يحدد الرسوم التى يدفعها وهى رسوم محددة لكل خدمة، فهل يعقل فى العصر الحديث أن تكون كل مهام الموظف أن يكتب على جانب الطلب قيمة الرسوم المحددة، لماذا لا تعاد هيكلة الخطوات بحيث يقوم موظف واحد بكل الخطوات وبالتالى يزداد الموظفون الذين يقدمون الخدمات للمواطنين ولا نشاهد هذا الزحام فى مكاتب الشهر العقارى وبالتالى يستحق الموظف أن يحصل على زيادة فى المرتب، لأنه قام بعمل حقيقى. على الحكومة أن تعلنها للجميع انه لا زيادة للرواتب دون وضع هيكل جديد للوظائف وان الأجر مقابل حجم محدد من العمل، وان من يطالبون بزيادة الرواتب عليهم المشاركة فى إصلاح وتنظيم العمل داخل مؤسساتهم وربط الأجر بالإنتاج ثم وضع هيكل جديد للرواتب يربط ما بين الأجر وحجم العمل، فهل لدى الحكومة من الشجاعة ما يجعلها تفعل ذلك؟. لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل