سعدت بالدعوي التي أطلقتها مجموعة من شباب الثورة لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات مجلس الشوري مباشرة ودون انتظار الانتهاء من كتابة الدستور, التي قد تستغرق من الوقت ما يتعدي الحد الأقصي الذي تم التوافق عليه والذي أعلن المجلس العسكري التزامه به. ففي الوقت الذي ضاقت الناس ذرعا بامتداد الفترة الانتقالية, التي صرح المجلس الأعلي للقوات المسلحة في بداية توليه بأنها لن تستمر أكثر من ستة أشهر, وبدأ البعض يفكر في طريقة للتبكير بتسليم الجيش للسلطة, بدأت تطل علينا دعاوي ما أنزل الله بها من سلطان, وهي إن دلت علي شيء فعلي حالة اليأس التي وصل إليها الناس. وربما كانت أغرب تلك الدعوات هي ما يطلقه البعض الآن بضرورة ترك المجلس العسكري للسلطة فورا دون تحديد الجهة التي علي المجلس أن يسلم لها السلطة, وقد وصل حد اليأس بهؤلاء أن أعلنوا استعدادهم للاعتصام إلي أن يتم تنفيذ طلبهم. أما من كانوا أكثر تعقلا فقد حددوا الجهة التي علي الجيش أن يسلم لها السلطة, لكنها للأسف لم تكن جهة منتخبة, بل لجنة مشكلة وفق أهواء من اختاروها, فكان ذلك بمثابة توريث جديد للبلاد يتم بمقتضاه تسليم الحكم لمن لم ينتخبه الشعب انتخابا حرا مباشرا. ثم جرت انتخابات مجلس الشعب, فتصور البعض أنهم وجدوا أخيرا ضالتهم فطالبوا بتسليم رئاسة الدولة لرئيس مجلس الشعب, وما يعيب هذا الاقتراح هو أنه غير دستوري, لأن الدستور الذي كان ينص علي تولي رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية هو دستور1971, الذي لم يعد قائما, كما أن رئيس مجلس الشعب لم يتم انتخابه رئيسا للجمهورية, وإنما انتخب نائبا بالبرلمان, وإذا علم الناس أنه سيصبح رئيسا ولو ل60 يوما ربما ما انتخبوه. وقد قيل إن الإخوان المسلمين وحزبهم وراء هذا الاقتراح الأخير, حيث حصلوا علي أغلبية البرلمان ويسعون للاستئثار بالدستور, وأعلنوا عن رغبتهم تشكيل الحكومة, فما المانع أن يأخذوا الرئاسة أيضا. وسط تلك البلبلة التقيت بوائل غنيم وزياد علي ومحمد دياب, فوجدت فكرا مختلفا تماما ينم عن قدر من التعقل لم أجده فيمن تقدموا بالاقتراحات السابقة, فهم ينطلقون من نفس أرضية الاقتراحات الأخري, أي السعي لتقليل الفترة الانتقالية بقدر الإمكان, حتي تنتهي حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي طالت بأكثر مما ينبغي, لكنهم يرون أن الاستقرار المنشود لا يتحقق فقط بخروج الجيش وإنما بتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة, لذلك فهم يرون أن تجري الانتخابات الرئاسية فور انتهاء انتخابات مجلس الشعب, ودون انتظار للدستور, ذلك أن الدستور سيمر بعدة مراحل, أو بعدة معارك, أولها الاتفاق علي إجراءات تشكيل الهيئة التأسيسية التي ستتولي وضعه, وتلك معركة لايمكن التقليل منها, ثم تليها المعركة الكبري وهي الاتفاق علي الدستور نفسه وما سيتضمنه من مواد, وهي معركة لا تقل عن الأولي إن لم تزد عنها في حدتها, وفي الوقت الذي ستستغرقه, ثم يأتي بعد ذلك الاستفتاء الذي بدونه لا يتم تفعيل الدستور, وهنا لايمكن أن تغيب عنا معركة استفتاء مارس الماضي التي كانت تدور حول تسع مواد فقط, وليس حول دستور كامل قد لا يرضي عنه البعض, خاصة لو نجحت الأغلبية البرلمانية في مسعاها لتطويع الدستور وفق إيديولوجيتها الدينية التي لا تعبر عن التيار الرئيسي للشعب. كل ذلك سيستغرق من الوقت ما يزيد علي الفترة التي أعلن المجلس العسكري أنه سيسلم عندها السلطة وهو ما يعني أن المجلس سيستمر في الحكم, كما استمر بعد انقضاء الاشهر الستة التي كان قد حددها في بداية توليه, وللأسباب نفسها, وهي عدم اكتمال بناء مؤسسات الدولة التي سيسلم لها السلطة, أما وجود رئيس منتخب فسيبطل تلك الحجة وتنتفي معه كل أسباب استمرار الجيش في الحكم. إن مثل هذا التفكير الواعي إنما ينم عن أن محاولات تشويه قوي الثورة عن طريق تصوير شبابها بأنهم متهورون, لا يعون مايقولون وأن أفكارهم غير مدروسة وقد تؤدي بالبلاد إلي الفوضي المحققة. إن ما يقترحه وائل غنيم ورفاقه ينم عن أنهم شباب واع يضع مصلحة البلاد نصب أعينه وهو يسعي لبناء الديمقراطية عن طريق الانتخابات, ويري أن الإسراع بتلك العملية, بعد أن أضعنا سنة كاملة من عمر البلاد خسرنا فيها الكثير سياسيا واقتصاديا, هو السبيل الأمثل لإنهاء المرحلة الانتقالية المضطربة التي نعيشها, والوصول بالبلاد إلي الاستقرار حتي تبدأ عملية إعادة البناء لكل مرافق الدولة علي أسس جديدة. التحفظ الوحيد الذي يبديه البعض علي هذا الاقتراح, هو ما يقال من أن انتخاب رئيس للجمهورية قبل الدستور سيمنحه صلاحيات بلا تحديد, وقد قلت للأصدقاء وائل غنيم وزياد علي ومحمد دياب إن هذا غير صحيح, فصلاحيات رئيس الجمهورية منصوص عليها في الإعلان الدستوري, كما أن5 مواد من المواد ال9 التي أقرها الشعب في استفتاء مارس الماضي كانت تخص رئيس الجمهورية, وطريقة انتخابه, بل إن الصلاحيات الحالية التي سيتم انتخاب الرئيس علي أساسها هي صلاحيات منقوصة, فهي لا تتضمن علي سبيل المثال الحق في حل البرلمان وهو حق أصيل لرئيس الجمهورية, سينص عليه الدستور المقبل, أي أن الرئيس الذي سينتخب قبل الدستور ستكون صلاحياته أقل مما لو انتخب بعده. فلنتبن جميعا تلك الدعوي كي نعبر أخيرا بالبلاد إلي بر الأمان, وكفي ذلك التخبط الذي لا يليق بدولة عريقة مثل مصر. المزيد من مقالات محمد سلماوي