اعتاد الناس من الحكومات المتتالية إطلاق التصريحات العنترية والوعود الخيالية، حتى أصبحت تصريحات المسئولين منذ عهد مبارك روتيناً يبعث على الملل، فمعظمها يهدف ل «الشو» الإعلامى فقط، وهو ما دفع العديدين لاستخدام عبارة واحدة لوصف هذه التصريحات بأنها «كلام جرايد»! ما الذى يحدث لأصحاب المسئولية من وزراء ورؤساء حكومات عند توليهم الوزارة؟ لماذا هذا السيل من التصريحات الوردية؟ هل هو بدافع الحماسة والرغبة الصادقة فى التغيير؟ أم أنه أداء سياسى مقصود لاستمالة الرأى العام؟ ولماذا تزداد هذه التصريحات فى الأيام الأولى من عمر الحكومات؟ مصارحة محلب يعلق المواطنون آمالاً كبيرة على الحكومة الحالية برئاسة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، الذى تعهد بمصارحة الشعب بالحقائق وإلتزام حكومته بفرض الأمن ومواجهة الإرهاب والسعى لإعادة الانضباط للشارع وإيجاد حلول تحقق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة. وقال محلب إنه سيركز على المشروعات القومية ومعالجة الاختلالات فى الاقتصاد، وسيسعى لخلق فرص عمل وتوفير مناخ ديمقراطى نزيه، وإعادة التوازن للعلاقات الخارجية والحفاظ على أصول الدولة والقطاع العام. ورغم الإسراف الملحوظ فى وعود الحكومة الحالية إلا أن الآمال معلقة بها بقوة لتحقيق جزء كبير منها، ينعكس بشكل عملى وواقعى على حياة المواطنين، البعيدة كل البعد عن التصريحات الوردية للمسئولين. الدكتور قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى يرى أنه من المتوقع والمعقول أن يبدأ المسئول فور توليه المسئولية بتقديم الوعود وطمأنة الناس، ولكن المشكلة الحقيقية هى الإسراف فى الوعود مما يرفع سقف التوقعات والآمال، وبالتالى فحتى إذا حقق المسئول 20% مما وعد به سيشعر الناس بالإحباط. جدول زمنى ويؤكد أستاذ علم النفس السياسى ضرورة وجود جدول زمنى واقعى لتنفيذ الوعود وتحقيق الإنجازات، فالخطاب الواقعى الذى يصارح الناس بالمشاكل الموجودة والوقت المطلوب لحلها وكذلك الإمكانيات التى تتطلبها، فهناك فرق بين التمنى والتوقع والإمكانيات، فالتمنى لا حدود له، أما التوقعات فينبغى أن ترتبط بالإمكانيات المتاحة. اعتقاد خاطئ ويشير الدكتور حفنى إلى أن السبب وراء سيل التصريحات البراقة هو الاعتقاد الخاطىء لدى بعض المسئولين بأنها الوسيلة المثلى لاستمالة الرأى العام ، والظهور بوسائل الإعلام، وربما تكون تلك التصريحات صادرة عن نية سليمة ورغبة حقيقية فى الإصلاح، ولكن المبالغة فيها قد تأتى بنتائج عكسية، لأن المعيار يبقى فى النهاية هو ما تم تنفيذه فعلياً على أرض الواقع. انفصال عن الواقع عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى يصف هذه التصريحات بأنها تعكس عدم إدراك المسئولين لحقيقة المشاكل التى يعانى منها المجتمع، وتعد استخفافاً بعقول المواطنين الذين أصبحوا أكثر وعياً ولم يعد من الممكن أن يتقبلوا هذه الوعود التى لا يتحقق منها شىء على أرض الواقع. الخبرة السياسية ويتهم شكر كل رؤساء الحكومات التى جاءت بعد ثورة يناير بالافتقار إلى الخبرة السياسية باستثناء الجنزورى، موضحاً أن الخبرة الافتصادية أو الإدارية وحدها لا تكفى، فمنصب رئيس الحكومة سياسى بالدرجة الأولى ولابد من توافر حد أدنى من الممارسة السياسية والخبرة فى العمل العام. وينصح بضرورة الدراسة العلمية لمشاكل المجتمع وأسبابها ومدى قدرة الحكومة على حلها والمدى الزمنى اللازم لذلك قبل إطلاق تصريحات عنترية وبراقة لا يمكن الوفاء بها. سقف التطلعات ويوضح أن ثورة يناير رفعت سقف التطلعات لدى الشعب المصرى بعد نجاحه فى الإطاحة بنظام مبارك ومحاكمته، فقد أدرك هذا الشعب أنه هو المراقب لأداء الحكومة، وأصبح أكثر تحفزاً لمساءلتها، وبالتالى يجب على المسئول وخاصة رئيس الحكومة أن يكون حذراً فى تصريحاته وأن يعنى بالفعل كل حرف مما يقوله. ويأمل شكر فى وجود جدولة لحل المشاكل حسب قدرة الدولة لأن المواطن إذا شعر بأن الحكومة جادة فى حل مشاكله من خلال الجدول الزمنى الذى أعلنت عنه ستهدأ موجة الإضرابات والاعتصامات التى تجتاح البلاد، وتمتد حبال الثقة لتربط بين المواطن والحكومة.