أكدت روسيا أمس أنها لن تسمح بوقوع «حمام دم» فى أوكرانيا، فى الوقت الذى أكد فيه قادة كييف الجدد رغبتهم فى عدم دخول حرب مع موسكو، فى حين لا تزال الأوضاع الميدانية فى شبه جزيرة القرم جنوبأوكرانيا فى صالح الجانب الروسي. ففى موسكو، أكد وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف أن بلاده »لن تسمح بحمام دم« فى أوكرانيا، ولا بأى اعتداء على حياة وصحة أولئك الذين يعيشون فى أوكرانيا ، ولا على الروس الذين يعيشون هناك. ووصف لافروف ما جرى فى أوكرانيا بأنه »انقلاب« أدى إلى الإطاحة بالرئيس الشرعى للبلاد بطرق غير قانونية، وقال فى مؤتمر صحفى عقده أمس فى العاصمة الإسبانية مدريد إن أوكرانيا تتصدر قائمة أولويات روسيا ، معربا عن اعتقاده بأن الغرب أخطأ بدعمه للمتظاهرين الذين استولوا على السلطة بالمخالفة للدستور. وبشأن إمكانية نشر مراقبين دوليين فى منطقة القرم، قال لافروف إن هذا القرار يرجع إلى الحكومة الأوكرانية وسلطات منطقة القرم، كما أكد أن روسيا لا يمكنها سحب قوات الدفاع الذاتى فى منطقة القرم نظرا لأنها ليست قوات روسية وإنما شكلت من قبل السكان المحليين فى القرم. فى الوقت نفسه، ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية لافروف أبلغ مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى كاثرين أشتون بأن الاتفاق الذى أبرم بوساطة الاتحاد فى 21 فبراير الماضى يجب أن يكون الأساس لتحقيق الاستقرار فى أوكرانيا. وقال الوزير الروسى إن الاتفاق يتصور إصلاحا دستوريا يضع فى الاعتبار رغبات كل المناطق فى أوكرانيا. وفى كييف، أبدى وزير الخارجية الأوكرانى أندريه ديشتشيتسيا لهجة تصالحية تجاه روسيا، قائلا إنه يريد حل المأزق بين الدولتين »سلميا«، وقال قبيل اجتماعات رفيعة المستوى بشأن أوكرانيا فى باريس من بينها اجتماع مع نظيره الأمريكى جون كيرى ونظيره الروسى سيرجى لافروف: »نرغب فى تسوية الموقف سلميا.. لا نرغب فى محاربة الشعب الروسي«. وقال رئيس وزراء أوكرانيا أرسينى ياتسينيوك أمس إن نشر قوات روسية فى منطقة القرم يؤثر سلبيا على اقتصاد البلاد ، ولكن دون أن يقدم تفاصيل عن المحادثات الجارية مع صندوق النقد الدولى بشأن تقديم مساعدات مالية لتفادى الإفلاس. أما سيرجى أكسيونوف رئيس حكومة شبه جزيرة القرم ، فأعلن رفضه لإجراء أى مباحثات مع السلطة الجديدة فى كييف على اعتبار أنها «غير شرعية». ونقلت وكالة أنباء «إيتار تاس» عنه قوله إن معظم القوات الأوكرانية المسلحة الموجودة على أرض القرم تحولت إلى تبعية شبه الجزيرة، أما عن مستقبل القرم قال أكسيونوف إنه مسألة سيحددها الاستفتاء الشعبى المقرر إجراؤه فى 30 مارس الجاري. وميدانيا، أعلن مسئولان أوكرانيان أمس أن القوات الروسية سيطرت جزئيا على قاعدتين لإطلاق الصواريخ فى القرم. وفى باريس، عقدت أمس محادثات بين وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس ونظيره الأوكراني، أكد بعدها فابيوس أن الحل الوحيد للأزمة الأوكرانية يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا ، وأكد أن بلاده مع أن تبقى أوكرانيا موحدة. وفى واشنطن، وصف البيت الأبيض إجراء روسيا تجربة إطلاق صاروخ عابر للقارات أمس الأول الثلاثاء بأنها »اعتيادية«، وقال إن الولاياتالمتحدة تلقت إخطارا من موسكو قبل إجراء التجربة تمشيا مع التزامات موسكو بموجب معاهدة الأسلحة النووية بين البلدين. من ناحية أخرى، استنكر الكاتب الأمريكى يوجين روبنسون موقف العديد من خبراء السياسة الخارجية فى الغرب ممن أعلنوا صدمتهم من التماس روسيا الذرائع لاجتياح دولة صغيرة مثل أوكرانيا، قائلا إن هؤلاء المصدومين يبدون كما لو أنهم فقدوا الذاكرة. وعاد روبنسون فى مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست بالذاكرة إلى عام 2003 الذى شهد الغزو الأمريكى للعراق، متسائلا عما إذا كان هؤلاء المصدومون قد نسوا هذا الحدث المؤسف، بحسب وصفه. وقارن روبنسون بين ذريعة الرئيس الروسى بوتين لاجتياح شبه جزيرة القرم جنوبى شرق أوكرانيا من أن ذوى الأصول الروسية معرضون للتهديد، بذريعة إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش إبان اجتياح العراق من أن الرئيس العراقى الراحل صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ووصف روبنسون جميع هذه الذرائع بالمزاعم الخاوية. كما أنكر الكاتب الأمريكى كذلك على واشنطن إدعاءها فى الأزمة الأوكرانية الراهنة بأنها مصرة على الاحترام المطلق للدول ذات السيادة. ولفت إلى أن العراق سبقه أفغانستان، وقبل هذه كانت حرب الخليج العربي، وحرب بنما، وحرب جرينادا، ونبه إلى أنه بينما يدين الكثيرون فى واشنطن اعتداء موسكو على كييف، فإنهم لا ينكرون فى المقابل الاحتفاظ بحق إطلاق صواريخ أمريكية مدمرة على باكستان واليمن والصومال وغيرها من الوجهات.