حسنت الدولة صنعا حينما انشأت وزارة للعدالة الانتقالية ضمن التشكيل الوزارى عقب ثورة يونيو من العام الماضي. وقد تحددت أهداف هذه الوزارة فى ترسيخ قواعد المساءلة ودعم احترام حقوق الإنسان وتعزيز دور منظمات المجتمع المدنى ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك فضلا عن تكريم المضارين من انتهاكات حقوق الإنسان فى الفترات السابقة على المرحلة الانتقالية، والعمل على جبر الاضرار ماديا ومعنويا. وفى إطار هذه الأهداف تبرز بعض الخبرات الدولية فى مجال العدالة الانتقالية لكل من جنوب إفريقيا والمغرب التى يمكن ان تسهم فى إرساء دعائم هذه العدالة. وفى حقيقة الأمر فقد شهد العالم ومنذ سبعينيات القرن المنصرم حتى الآن نحو 30 تجربة للعدالة الانتقالية، من بين أهمها جنوب إفريقيا والمغرب وتشيلى والارجنتين والسلفادور وسيراليون وتيمور الشرقية وصربيا واليونان. وتشير العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التى قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ماورثته من انتهاكات لحقوق الإنسان وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر واشكال مختلفة من إصلاح المؤسسات. وتهدف العدالة الانتقالية إلى تحقيق مجموعة من الاهداف تشمل وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والتحقيق فى الجرائم وتحديد المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم وتعويض الضحايا ومنع وقوع انتهاكات مستقبلية. وتتمثل معالم العدالة الانتقالية فى جنوب إفريقيا فى الانتقال الديمقراطى للسلطة عام 1990، وذلك بعد وصول زعيم الاقلية البيضاء إلى السلطة حيث رفع الحظر عن نشاط حزب المؤتمر الوطني. وقد أعد زعيم الاقلية ومانديلا مخططا انتقاليا ورفعت العقوبات الدولية عن جنوب إفريقيا.، وخلال عام 1993 كانت قضية العفو عن مرتكبى الجرائم الخطيرة خلال الفترة الماضية من أهم نقاط المفاوضات حول الانتقال الديمقراطي. وفى عام 1995 صادق برلمان جنوب إفريقيا على قانون دعم الوحدة الوطنية والمصالحة الذى اسس للجنة الحقيقة والمصالحة. وظهرت مجموعة من اللجان منها لجنة انتهاكات حقوق الإنسان وكانت وظيفتها التحقيق فى الانتهاكات التى تمت فى الفترة من عام 1960حتى عام 1994 بتحديد هوية الضحايا. كما تأسست لجنة جبر الضرر وكانت تهدف إلى صياغة التوصيات والاقتراحات حول إعادة تأهيل الضحايا، بينما لجنة العفو كانت مهمتها الاساسية هى الحرص على ان تتم طلبات العفو طبقا للقانون. وقد تقدم أكثر من 7 آلاف شخص بطلب العفو لكن منح العفو لمن كشف عن كل الحقيقة فيما يتعلق بتورطه فى الجرائم متى كان الأمر يدخل فى إطار صرع سياسي. وحول التجربة المغربية فقد قامت المغرب بإجراءات التحول وتسليم الحكم إلى المعارضة فى 1995 التى أفضت إلى إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لتقصى الحقائق واختتمت اعمالها فى دفع تعويضات للضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات فى عام 2005 وبهذا تكون المغرب صاحبة تجربة فريدة فى التعامل مع العدالة الانتقالية. وعلى ضوء ذلك نجد أن التجربة المغربية وتجربة جنوب إفريقيا فى مجال العدالة الانتقالية يمكن أن تقدم بعض الدروس التى يمكن أن نستفيد منها فى العدالة الانتقالية التى تمر بها مصر فى المرحلة الحالية، وذلك من خلال تشكيل اللجان الخاصة بحقوق الإنسان لرصد الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان ودفع التعويضات للضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل بعض المؤسسات.
زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية لمزيد من مقالات د.طه محمد عبدالمطلب