قدمت لجنة تقصي الحقائق في أحداث يناير ومقتل الثوار والتي أمر بتشكيلها رئيس الجمهورية «د. محمد مرسي» تقريرها إلي رئيس الجمهورية، الذي أحاله بدوره إلي النائب العام، الذي كلف المستشار «عمرو فوزي» المحامي العام الأول ورئيس «هيئة نيابة حماية الثورة» وفريق العمل بالهيئة، والتي تم إنشاؤها طبقا للمادة الثالثة من القرار بقانون الذي أصدره رئيس الجمهورية في 22 نوفمبر 2012 «بشأن حماية الثورة». وتضمن التقرير مشروع قانون «العدالة الانتقالية الثورية» الذي يحاكم من قام بارتكاب جرائم نهب الأموال العامة، وجرائم الاعتداء علي الأشخاص «سواء كانت تشكل تعذيبا أو استعمال قسوة أو احتجازا بدون وجه حق»، أو انتهاك حقوق الإنسان، خلال النظام السابق لثورة 25 يناير 2011 والفترة الانتقالية، أي منذ نوفمبر 1981 بدء الولاية الأولي للرئيس السابق «محمد حسني مبارك» وحتي يونيو 2012 وانتهاء الفترة التي تولي فيها المجلس الأعلي للقوات المسلحة مسئولية إدارة البلاد وانتقال السلطة التنفيذية للدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية المنتخب. ونص مشروع قانون العدالة الانتقالية للثورة علي تشكيل «هيئة المحاسبة والعدالة» لتلقي البلاغات والشكاوي المتعلقة بالنظام السياسي السابق و«نيابة حماية الثورة» و«محاكم الثورة». وأعلن رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشوري «إيهاب الخراط» أن الوقت قد حان لإنشاء محاكم للعدالة الانتقالية وفقا لقوانين تلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان و«لضمان حقوق المواطن التي أهينت لسنوات طويلة»، وتعديل قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية والأحكام العسكرية وهيئة الشرطة والسجون. وإصطلاح «العدالة الانتقالية» إصطلاح جديد بالنسبة للرأي العام في مصر، بل وبالنسبة لعديد من المشتغلين بالقانون، وهناك تطبيقات مختلفة لمفهوم «العدالة الانتقالية» جري تطبيقها في بلاد مثل المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا بعد سقوط الأنظمة الحاكمة فيها والتي تنسب للشيوعية، وجنوب أفريقيا عقب سقوط نظام الفصل العنصري «الابارتيد» والمملكة المغربية. ويمكن القول إن «العدالة الانتقالية تشير إلي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات. والعدالة الانتقالية ليست نوعا خاصا من العدالة، وإنما هي مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة، من خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، وتقديم اعتراف بحقوق الضحايا وتشجيع الثقة المدنية، وتقوية سيادة القانون والديمقراطية، والعناصر المكونة لسياسة العدالة الانتقالية ليست عبارة عن أجزاء في لائحة عشوائية، إنما هي تتصل الواحدة بالأخري عمليا ونظريا، وأبرز عناصرها.. الملاحقة القضائية – جبر الضرر الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبدة وتتخذ خطوات لمعالجتها كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحية – والاعتذار أو تخصيص يوم لإحياء ذكري الضحايا. كذلك يمكن تعريف العدالة الانتقالية بأنها «مجموعة من الأساليب التي يمكن للدول استخدامها لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، وتشتمل علي إجراءات قضائية وغير قضائية وإصلاح نظام قانوني مهترئ وبناء نظام حكم ديمقراطي». وفي مقدمة هذه الأساليب.. المحاكمات، وجبر الضرر، والحقيقة والمصالحة، والإصلاح المؤسسي. ويقدم كل من تورط في أي نوع من الفساد أو استخدام العنف والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان للمحاكمة ليلقي جزاءه جنائيا في ثلاثة أنواع من المحاكم «محلية أو دولية أو مختلطة»، ومن أهم المشاكل التي تواجه مثل هذه المحاكمات، صعوبة فتح الملفات القديمة والوصول إلي أدلة في حالات القتل الجماعي. والسعي لجبر الضرر يتحقق بالاعتراف بالأذي الذي تعرض له ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة ومعالجتها، ومعالجة الأضرار عن طريق التعويض المادي والمعنوي، وإعادة تأهيل الضحايا وتأمين حياة أفضل لهم، والمساعدة علي تغيير الأسباب الكامنة وراء تلك الانتهاكات، ومنها أيضا إقامة نصب تذكارية مثل «متحف الذاكرة» في شيلي و«تلة الدستور» في جوهانسبرج التي حولت سجنا سابقا للمحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا. أما عملية «الحقيقة والمصالحة» فيتم إنجازها تأكيدا لحق المواطنين في معرفة الحقيقة كاملة وإجراء مصالحة مع الماضي عن طريق «العفو الكامل» كما حدث في جنوب أفريقيا، حيث اعترف المسئولون عن نظام الفصل العنصري بجرائمهم واعتذروا عنها، وسمح لهم بممارسة العمل السياسي وتقلد مناصب في الدولة، أو «العفو الجزئي» عن طريق الاكتفاء بعزل المتهم عن ممارسة العمل السياسي والإداري دون محاكمته جنائيا، أو «اللاعفو» حيث تتم محاكمة «كل من ثبت تورطه مع النظم القديمة». وقدمت المغرب نموذجا متميزا في العالم العربي من خلال «لجنة المصالحة والإنصاف، والتي تكونت بأمر ملكي في 7 يناير 2004 لبحث الانتهاكات التي شهدتها الفترة من 1956 وحتي 1991، والتي قامت برد الاعتبار للضحايا وتعويضهم ماديا إضافة إلي علاج المصابين من جراء استخدام العنف ضدهم، وتكوين لجنة استراتيجية عامة لمنع تكرار ما حدث، والمصالحة مع الماضي والعفو عن الذين تورطوا في هذه الجرائم بشرط الاعتراف الكامل بملابسات الأحداث وما أدي إليها ودورهم فيها والبعد عن الحياة السياسية العامة لمدة زمنية. وبالنسبة لمصر فهناك ملاحظات مهمة حول الدعوة لتطبيق العدالة الانتقالية والقرار بقانون الذي أصدره رئيس الجمهورية بشأن حماية الثورة. يقول د. محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة إن قانون حماية الثورة «باطل قانونا» فهو من ضمن القوانين التي أصدرها الرئيس في أعقاب الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر والذي حصن قرارات الرئيس من الطعن، موضحا أن اختيار النائب العام لمجموعة بعينها من وكلاء النيابة، فضلا عن تخصيص دوائر بعينها لمحاكمة قتلة المتظاهرين هو إخلال بمبدأ المساواة والعدل في المحاكمة»، إضافة إلي أن النائب العام الحالي مطعون في شرعيته وفي حياده حيث تم تعيينه من رئيس السلطة التنفيذية. كذلك فهيئة المحاسبة والعدالة تتكون من قاض علي درجة رئيس استئناف ترشحه الجمعية العمومية لمحاكمته ويرأس هذه الهيئة «ويعاونه عدد من الشخصيات العامة يختارهم وزير العدل» أي السلطة التنفيذية، وتملك هذه الهيئة إصدار قرار بوقف بعض المتهمين عن العمل لمدة لا تزيد علي ستة أشهر! إن الأمر برمته يحتاج إلي إعادة نظر ومناقشة جادة علي ضوء تجربة «قانون الغدر» الصادر عام 1953 بعد ثورة 23 يوليو، خاصة وهناك نص في الدستور يعزل مئات من أعضاء الحزب الوطني دون تحقيق أو مساءلة!