فى أعقاب الانفجارين الإرهابيين اللذين ضربا مدينة فولجوجراد الروسية وأديا إلى مقتل 34 شخصًا وجرح العشرات، سارعت الولاياتالمتحدة وباقى الدول الغربية إلى إعلان الإدانة الرسمية لهذا الفعل الإرهابى، كما أعلن البيت الأبيض على الفور أن الولاياتالمتحدة تتضامن مع الشعب الروسى فى مواجهة الإرهاب وأن الحكومة الأمريكية تقدم كل الدعم للحكومة الروسية لتأمين دورة الألعاب الأولمبية فى منتجع سوتشى. لكن، رغم التعبير عن الغضب ورغم التضامن الدولى، يبدو من المستغرب أن الولاياتالمتحدة والحكومات الغربية لازالت مُصّرة على انتهازيتها السياسية تجاه دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقرر لها أن تبدأ فى السابع من شهر فبراير القادم، فالرئيس باراك أوباما وباقى القادة الغربيين بما فيهم رئيس الوزراء الكندى ستيفن هاربر والرئيسين الفرنسى والألمانى لم يغيروا من موقفهم الخاص بمقاطعة الأولمبياد، ليبدو الأمر كما لو كان احتجاجًا غير رسمى على ما أسموه بانتهاكات حقوق الإنسان فى روسيا واعتراضًا بصفة خاصة على قانون (حظر الرعاية للشواذ) الذى سنّته موسكو العام الماضى. هذه الانتهازية السياسية من قبل القادة الغربيين تجاه دورة الألعاب الأولمبية فى سوتشى لا يوجد لها مثيل.. صحيح أنه حدثت مقاطعة لدورات أولمبية فى الماضى، ففى عام 1980 قامت الولاياتالمتحدة بمقاطعة أولمبياد موسكو على خلفية تدخل الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، وفى عام 1984 رد الاتحاد السوفيتى بالمثل وقاطع أولمبياد لوس أنجيلوس. لكن الجديد هذه المرة هو نصف المقاطعة لأولمبياد سوتشى، فالولاياتالمتحدة وكندا وباقى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى سوف تشارك مع 88 دولة أخرى فى هذا الحدث الرياضى الكبير، لكن قادة هذه الدول سوف يبقون بعيدًا!! وهذا يعنى أن الغرب يمارس الألعاب السياسية مع روسيا الدولة المضيفة للأولمبياد وهى ألعاب تبدو فظة ومخادعة وهى ترفع شعار مايسمى بحقوق الشواذ جنسيًا والسحاقيات على خلفية التفجيرات الإرهابية فى فولجوجراد. فهذه التفجيرات كما هو واضح كانت تستهدف الإضرار بدورة ألعاب سوتشى، وبيان البيت الأبيض يعترف بذلك. صحيح أنه لم تعلن أى جهة مسئوليتها عن ذلك، لكن المعروف وبشكل قاطع أن المهاجمين ينتمون إلى ما يسمى بالخلافة القوقازية التى تتمركز فى مناطق شمال القوقاز فى الشيشان وداغيستان. وهى نفس المجموعة الجهادية المتطرفة التى يقوها الإرهابى دوكو عمروف والتى سبق لها أن أعلنت تحذيراتها من أنها تنوى استخدام (كافة الوسائل الممكنة لعرقلة الحدث الأوليمبى). وهذه التهديدات الإرهابية لم تأت من فراغ. ذلك أنه قبل التفجيرين المتزامنين، تعرضت فولجوجرا فى أكتوبر الماضى لعملية انتحارية داخل أحد الأتوبيسات وهو ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وأعلن إرهابيو عمروف مسئوليتهم عن الحادث. وعلى الرغم من أن فولجوجراد تبعد مايقرب من 700 كيلو متر شمال شرق منتجع سوتشى الواقع على البحر الأسود، إلا أنها تعتبر محورًا لطرق المواصلات بين موسكو والمدينة الجنوبية. ولذلك كانت هدفًا رئيسيًا لأتباع عمروف بغرض توجيه ضربة قاصمة لمكان انعقاد الدورة. وقد سبق لهذه الشبكة الجهادية أن نفذت عمليات انتحارية داخل وسائل المواصلات فى موسكو وذلك فى عامى 2010 و2011 مما أسفر عن مقتل العشرات. ولذلك بدا الإخلال بهذا الحدث الرياضى فرصة لإلحاق الضرر بصورة روسيا أمام العالم وهى الصورة التى استثمر الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، الكثير للحفاظ عليها وإخراج دورة الألعاب الأولمبية فى أفضل صورة ممكنة. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن الهجمات الإرهابية فى فولجوجراد كانت اعتداءً على السيادة الروسية والقدرة على استضافة دورة الألعاب الشتوية، كما لايمكن لأحد أن ينكر أن هذه الدورة تعد هدفًا للإرهابيين. ورغم ذلك فإن القادة الغربيين - الذين بدعون محاربتهم للإرهاب - يظهرون بمظهر تنقصه اللياقة عندما يرفعون شعار (حقوق الشواذ جنسيًا) كمبرر لقرارهم عدم حضور دورة ألعاب سوتشى الأوليمبية. والحقيقة أنه قبل أسابيع من الهجوم الإرهابى وسط مدينة فولجوجراد، أعلن البيت الأبيض أن بعثته الرياضية منخفضة المستوى إلى سوتشى سوف يتقدمها لاعب التنس السابق وأيقونة الشواذ جنسيًا، بيلى جان كينج. وأن عضوًا آخر فى الوفد الرسمى الأمريكى هو لاعب الهوكى كايتلين كاهو، وهو أيضًا أحد المدافعين عن حقوق الشواذ. وقد التقطت صحيفة الجارديان البريطانية الخيط عندما أبدت ملاحظتها على اختيارات البيت الأبيض وكتبت تقول (إن باراك أوباما يبعث إلى روسيا برسالة واضحة فيما يتعلق بتعاملها مع الشواذ جنسيًا والسحاقيات وذلك باختياره لأعضاء الوفد الممثل لأمريكا فى دورة ألعاب سوتشى الأولمبية). وهكذا، وبخلاف القول السائد بعدم خلط السياسة بالرياضة، فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها مصممون على استغلال دورة سوتشى فى الدعاية السياسية بغرض توجيه الضربات إلى موسكو، وهو ما يتماشى مع الأجندة السياسية الأوسع. فعلى الرغم من إدعاء واشنطن العمل على (إعادة ترتيب) العلاقة بينها وبين موسكو فى ظل حكم أوباما، إلا أن واشنطن حادت عن الطريق وعملت وتعمل الكثير لزيادة التوتر مع موسكو. وليس أدل على ذلك من قانون ماجنيتسكى الذى يفرض عقوبات على مسئولين روس تحت دعوى انتهاك حقوق الإنسان، ومخالفة تعهداتها بالحد من التسلح النووى، وتدخلها السافر فى العلاقات الروسية الأوكرانية على خلفية الشراكة مع الاتحاد الأوربى، والاحتفاء المبالغ فيه بإطلاق سراح رجل الأعمال المختلس ميخائيل خودوركوفسكى. أما إذا كانت الولاياتالمتحدة مخلصة بالفعل فى تضامنها مع روسيا وراغبة مثلما تقول فى تقديم (كل الدعم للحكومة الروسية لتوفير الإجراءات الأمنية فى أولمبياد سوتشى فعليها أن تبرهن على ذلك بتسليم موسكو الملفات الاستخباراتية الخاصة بالشبكات الجهادية السرية التى تمولها وتسلحها فى شمال القوفاز على امتداد العشرين عامًا الماضية.