يومان للتاريخ خرج فيهما المصريون الي مقار الاستفتاء علي الدستور الجديد الذي أعقب ثورة30 يونيو المجيدة, وشهد العالم كله عبر وسائل اعلامه الا وسيلة واحدة اختارت أن تنحاز الي جماعة صنفت ارهابية ضاربة عرض الحائط بكل المعايير المهنية بأنه أمام معجزة بكل المقاييس. شعب يخرج رغم التهديدات, سيداته وشيخوخه يسبقون شبابه, يقفون في انضباط علي غير ما اعتادوا عليه في معاملاتهم اليومية العادية في أي تجمعات أو خطوط سير, يتحملون برودة الطقس منذ الصباح الباكر إلي ما بعد التاسعة مساء, من أجل أن يصوتوا علي دستور مستقبلهم, لم يتأففوا أو يتذمروا من طول الطوابير أو الوقت والجهد الذي بذلوه من أجل المشاركة الايجابية في صنع المستقبل وتصحيح الماضي القريب, قدموا دروسا متعددة للعالم الذي احتار في التعامل مع هذا الشعب, وأكدوا للعالم كما جاء في ديباجة الدستور أنهم الشعب السيد في الوطن السيد وأنهم خرجوا بكل ارادتهم ليقدموا دستورهم الذي وصف بأنه دستور يفوق في مضمونه بعض دساتير العالم الأول ليؤكد أيضا أن مصر بحضارتها وتاريخها وحيوية شعبها تستحق أن تكون ضمن العالم الأول. علي مدي اليومين كان التنافس علي أشده بين القنوات الفضائية في تغطية الأحداث وتقديم التقارير والنقل الحي والمباشر من كل المحافظات حتي إن عدد النوافذ الاعلامية علي الشاشة الواحدة تجاوز أحيانا الثلاثين نافذة, ما أعطي زخما للاستفتاء وكان أبلغ رد علي تلك القناة النشاز التي تصر علي قلب الحقائق في مسلسل من العمل الاعلامي المفضوح الذي تستنكره كل القيم الاعلامية وكل المعايير المهنية. غير أنه الي جانب الشكر الواجب علينا لكل هذه الجهود في نقل الصورة الحقيقية للعالم عما جري في اللجان الانتخابية وما صاحب الاقتراع, إلا أن الأمر يتطلب التوقف أمام نقطة مهمة أراها تحتل البند الاول إذا أردنا المقارنة بين الآداء الاعلامي المصري ونظيره المحترف في القنوات المهنية المحترمة, ألا وهو ضعف مستوي غالبية المراسلين وكثير من المذيعين في اللغة العربية التي يمكن القول ذ إن جاز التعبير ذ ذبحت من الوريد الي الوريد, فرفع المنصوب ممكن وكسر المرفوع جائز, وتكرار المعاني بالعبارات نفسها متاح, والخلط مابين الفصحي والعامية لابأس, دون أن يلفت أحد نظر الآخر إذا أخل بقواعد اللغة, ومن عجب أن الكل يتباري في هذا الاغتيال المعنوي لهذه القواعد رغم عدم امتلاكه ناصية اللغة, ويتغافلون باصرار يبلغ حد العناد من القاعدة التي تقول( سكن تسلم) أي توقف عند نهاية الكلمات بعدم الرفع أو النصب أو الكسر. الأمر جد خطير لمستقبل أمة تفاخر بانتمائها العربي, ويكفي أن الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في ملحمة حب للوطن, تضمن في مادته الثانية بعد تأكيد أن الاسلام دين الدولة, أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد والدين الاسلامي كما يعرف الجميع معجزته الأولي كانت القرآن الكريم الذي تنزل بلغة اهل الضاد, فكيف لاعلام بلد يفاخر بأنه بيت العرب, يطيح بكل القواعد التي تحفظ اللغة التي ينتمي إليها. الغريب أن التجاهل للغة العربية لم يعد قاصرا علي وسائل الاعلام, وإنما امتد الي الحكومات العربية التي تري وتسمع اصرار بعض أبنائها علي هجر اللغة وصك تعبيرات (فرانكوآراب), أو لغة تستخدم فيها الارقام بدلا من الحروف, وتغمض عينيها, كما تغمض الاعين وتصم الآذان عن مدارس أجنبية غزت حياتنا في مصر والوطن العربي لاتدرس اللغة العربية, فبات لدينا جيل عربي الانتماء بالجنسية لكنه لايجيد لغته بل ولايتحدثها. لذا يفقد التواصل مع مجتمعه بل ويجهل هموم وطنه, ويكون بالتالي سهلا عليه ألا يشعر بالانتماء إلي هذا الوطن. قصدت دق ناقوس الخطر للحكومات قبل الشعوب في الوطن العربي, فهويتنا اللغوية تضيع عن عمد, وتساهم هذه الحكومات بصمتها في هذا الضياع, والدليل علي ما أقول إن منظمة اليونسكو جعلت يوم 18 ديسمبر سنويا يوما عالميا للغة العربية التي يتحدث بها نحو اكثر من 420 مليون انسان في هذا العالم, وجاء ذلك بعد أربعة عقود من اعتراف الأممالمتحدة باللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها, ورغم ذلك مر علينا 18 ديسمبر دون أن نحتفي بلغتنا العربية الاحتفاء اللائق, لم نمنحها اهتماما يجدد الدعوة للاحتفاء بها طيلة العام, ليعاود الجميع البحث في أعماق البحار عن دراتها وصدفاتها, علينا ان نمنح اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا وكل مناحي حياتنا العملية الاهتمام اللائق الذي يحفظ استمرارها وعلينا أن نعي أن ازدهار اللغة من ازدهار الامم, وتعثرها واضمحلالها يعكس حال اممها, غير أن لغة الضاد ستبقي محفوظة بإذن الله لانها لغة القرآن. لمزيد من مقالات أشرف محمود