عبقرية النوع الانساني تقوم علي ثقافته, وثقافته من صنعه, وثقافته تبدأ من الفترة التي بدأ فيها الإنسان يستخدم عقله في سبيل الوصول إلي حياة أفضل, أي أن الثقافة نشأت كنتيجة مباشرة لصراع العقل الإنساني ضد الطبيعة, ومحاولة التحكم في الظروف المحيطة. إن فكرة الثقافة تقوم علي اشباع الفرد لحاجاته الأساسية, وكل كفاحه المستمر لحل ما ينشأ من هذه الحاجات الأساسية من توترات ومشكلات, أو ما ينشق منها من حاجات جديدة, لذلك فإن الفرد مضطر في كفاحه لكي يشبع هذه الحاجات, إلي القيام بألوان مختلفة من النشاط, وأنواع خاصة من التنظيم. وقد يبدو لبعض الإنثروبولوجيين أن مفهوم التغير الثقافي كعملية تكيفية لا يتسق مع مفهوم التغير الثقافي كعملية تاريخية, لكننا نري في الحقيقة أن ليس ثمة خلاف بين ما هو وظيفي, وما هو تاريخي, كما يحلو للبعض أن يطلق عليها.. فكلا الاتجاهين صحيح.. وكل منهما يكمل الآخر. إن تاريخ الثقافة ماهو إلا سلسلة متصلة من الأحداث الفريدة التي تتحدد فيها الأحداث اللاحقة بالأحداث السابقة عليها, ومن وجهة النظر الثقافية فإن الأحداث التي تؤثر فيما يلحقها من أحداث في السياق التاريخي نفسه, كثيرا ما تكون أحداثا غير ثقافية بمعني أن أصولها خارجة عن السياق الثقافي, وهي تتضمن أحداثا طبيعية مثل ألوان القحط المختلفة, وأحداثا سيكولوجية, كالثورات الانفعالية, والحدس الخلاق, وهذه الأحداث تغير ظروف حياة المجتمع, فهي تتطلب الاشباع, هذا وتختلف شخصيات الأفراد في الثقافة الواحدة المنبثقة من رحم ثقافي واحد تبعا لأنواع الثقافات الفرعية التي يضمها هذا الرحم, أي الثقافات المحلية والمذهبية إلي آخره, فمصر تعد رحما ثقافيا واحدا, له ثقافة عامة تميز المصريين عن غيرهم, وهي الثقافة المصرية. ومع أن شخصية المصريين ذات طابع خاص, فنجد أن شخصية أهل الصعيد تختلف عن شخصية أهل الوجه البحري, وأن شخصية أهل الريف تختلف عن شخصية أهل المدن, كما أن لرجال الدين طابعا يختلف عن طابع رجال السياسة مثلا.. ومعني ذلك أن أنواع ونماذج الشخصية تتبع أنواع ونماذج الثقافة, لأن الثقافة هي التي تصوغ الشخصية وتشكلها. والثقافة دائمة التغير, بما تضيفه إليها الأجيال الجديدة, من خبرات وأدوات, وقيم, وأنماط سلوكية, أو بالعكس بما تستبعده, أو تحذفه من بعض الأساليب أو الأفكار, أو الأدوات القديمة التي لم تعد تتفق مع ظروف حياتها الجديدة. وتتفاوت المجتمعات في تغيرها الثقافي من حيث طبيعة هذا التغير وسرعته, ودرجته ومداه, والأسباب الداعية إليه, ويمكن القول إن الثقافة هي مجموع أساليب تكيف الناس لظروف حياتهم, وهذا التكيف لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال أفعال تجمع بين التنوع والانتقال. وينظر كل من من أوجبرن, ونيمكوف إلي الحياة الاجتماعية بوصفها دراما إنسانية يؤدي أدوارها أربعة ممثلين أساسيين, وهم الوراثة, والبيئة, والحياة الاجتماعية, والثقافة. لكنهما يريان أن الثقافة هي وحدها التي تلعب الدور الأساسي في الدراما الانسانية, وذلك لعدة أسباب أهمها أن الانسان وحده هو الذي له ثقافة, وأن التراث الاجتماعي للانسان هو الذي يجعله مختلفا عن الكائنات الأخري. إن العناصر المختلفة للثقافة وثيقة الصلة بعضها بعضا, وهي لا تعمل منفردة, فالأسرة في المجتمع الحديث وثيقة الصلة بالنظام التعليمي, والحقيقة أن عناصر الثقافة تتشابك وتتحد لتكون نسيجا متينا. ولا توجد ثقافة من الثقافات غير خاضعة لظاهرة التغير وإننا حين نتحدث عن جمود بعض الثقافات فإننا إنما تتجاوز الدقة في التغيير ونقصد بذلك أنها أقل تغيرا وأبطأ في سرعة تغيرها بالنسبة لغيرها. فإذا ما حدث التغير الثقافي بسرعة وفي نطاق واسع يمس كثيرا من مظاهر الحياة, أمكننا أن نصف الثقافة بأنها متغيرة. ويري باجوت أن الخصائص المميزة للعصر الحاضر تكمن في سرعة التغير ويقول: بالتغير السريع يصبح كل شئ قديما, كما أنه يذهب إلي أن ديناميات المجتمع هي نتيجة التوتر الذي يحدث بين السلوك المعرفي والعناصر الدخيلة التي تتصارع معه, ويقول في ذلك كل من يتخاطب( بلغتين دعي أفاق). وإذا ما تساءلنا عن أهم التحولات التي عرفها المجتمع المصري, خلال العقود الأخيرة, والتي مست أهم مظاهر حياتنا, فسنجد أنها قد تعرضت أكثر من غيرها للتحولات العنيفة والمفاجئة, خلال فترة قصيرة لم تتعد نصف قرن من الزمان, وهي فترة قصيرة جدا إذا ما قورنت مثلا بمراحل التطور الاجتماعي الأوروبي التي دامت حوالي قرنين. ويمكن أن نستخلص, من تلك التحولات بأن الخلط الذي نعيشه علي مستوي القيم في الوقت الراهن والذي يطبع علاقاتنا بقدر من التوتر, ويسمها بعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي, لأن تحولنا من أفراد مشوهين, نعاني من عقدة التنشئة ووطأة الماضي, إلي أفراد يحلمون بعلاقة انسانية جميلة مبنية علي المساواة, لابد أن يستلزم وقتا ليس بالقصير. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى