كنت أتحدث مع الدكتور جمال عبد الستار أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر وهو رجل ذو بصيرة وفكر ثاقب وله رؤيته في قراءة الأحداث وكان هذا الحديث عقب أحداث شارع محمد محمود وما حدث فيه من قتل وتدمير، وكنت أسأله ليه كل ده يحصل في مصر؟ وكان رده أن ما يحدث في مصر الآن من محاولة تخريب وفوضى هو شيء طبيعي جراء نظام فاسد كان متغلغلا في كل مناحي الحياة وصل فساده لدرجة فاقت الخيال، هذا النظام الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة فهو يسارع البقاء بأي طريقة وبأي ثمن ثم أرسل لى مقالا للكاتب السعودي بجريدة المدينة جميل فارسي تحت عنوان "مصر أم الدنيا" رأيت أنه من الأهمية بمكان أن أذكره هنا ولقد حاولت أن أختصره لكني فشلت جاء فيه"يخطي من يقيّم الأفراد قياسا على تصرفهم في لحظة من الزمن أو فعل واحد من الأفعال ويسري ذلك على الأمم, فيخطئ من يقيّم الدول على فترة من الزمان, وهذا للأسف هو سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر. تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير تنفق بسخاء وبلا امتنان وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر". ثم يطرح الكاتب سؤالا على الشباب:"هل تعلم يا بني أن جامعة القاهرة وحدها قد علمت حوالي المليون طالب عربي ومعظمهم بدون أي رسوم دراسية؟ بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟.وهل تعلم أن مصر كانت تبتعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية للدول العربية المستعمرة حتى لا تضمحل لغة القرآن لديهم, وذلك كذلك على حسابها؟ هل تعلم أن أول طريق مسفلت إلى مكةالمكرمة شرفها الله كان هدية من مصر؟حركات التحرر العربي كانت مصر هي صوتها وهي مستودعها وخزنتها. وكما قادت حركات التحرير فإنها قدمت حركات التنوير. كم قدمت مصر للعالم العربي في كل مجال، في الأدب والشعر والقصة وفي الصحافة والطباعة وفي الإعلام والمسرح وفي كل فن من الفنون ناهيك عن الدراسات الحقوقية ونتاج فقهاء القانون الدستوري. جئني بأمثال ما قدمت مصر. وكما تألقت في الريادة القومية تألقت في الريادة الإسلامية. فالدراسات الإسلامية ودراسات القرآن وعلم القراءات كان لها شرف الريادة. وكان للأزهر دور عظيم في حماية الإسلام في حزام الصحراء الأفريقي، بل لم تظهر حركات التنصير في جنوب السودان إلا بعد ضعف حضور الأزهر. وكان لها فضل تقديم الحركات التربوية الإصلاحية. أما على مستوى الحركة القومية العربية فقد كانت مصر أداتها ووقودها. وإن انكسر المشروع القومي في 67 فمن الظلم أن تحمل مصر وحدها وزر ذلك, بل شفع لها أنها كانت تحمل الإرادة الصلبة للخروج من ذل الهزيمة. لله درك يا مصر الإسلام لله درك يا مصر العروبة.إن ما تشاهدونه من حال العالم العربي اليوم هو ما لم نتمنه لكم. وإن كان هو قدرنا, فإنه أقل من مقدارنا وأقل من مقدراتنا.نواصل في الأسبوع المقبل مع جزء آخر من مقال الكاتب جميل فارسي. في السريع: أضع هذا المقال أمام الشباب المصري الذي تدفعه الحمية أن يعيد النظر في تحركاته وسكناته ولينظر هل سيسهم في بناء مصر أم سيساعد أعداءه على هدمها فمصر أم الدنيا أمانة حملنا الله إياها هل سنحافظ عليها أم سنضيعها؟! المزيد من مقالات حماده سعيد