أشرنا الي هذا الشعار المهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير استعادة الكرامة للمواطن واسترداد المكانة للوطن ولكن من دون توقف, حان أوانه ووقت الحاجة الي بيانه. استعادة الكرامة للمواطن تعني تكريم كيانه وبنيانه. , وجوده وأمانه, فاعليته ومقامه ومكانه, كرامة وتكريم للإنسان لاينازعه فيهما أحد ولاينزعهما عنه أحد كائنا من كان, إنه تكريم إلهي من غير إذعان لايجعله عبدا, وتكريم من غير طغيان لايجعله متجبرا أو وحشا. ومن هنا كان هذا الشعار العبقري الذي رفعه الشعب والجماهير والشباب لأنه كان عين الكرامة بمكوناتها ومكنوناتها: عيش, كرامة, حرية, عدالة اجتماعية وأول عناوين هذه الكرامة هو حماية الكيان إذا انتهك أو حرمة أهدرت أو دماء أريقت بدون وجه حق. من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا, عنوان الكرامة في هذا المقام هو القصاص, ولكم في القصاص حياة. لأنه لوتجرأ كل أحد علي أي أحد لهانت النفوس وأهدرت الدماء, وانتهك القوي بطغيانه حق الحياة الكريمة لكل إنسان, لأن الكرامة تمنع أي انتهاك بالقتل المادي العضوي لأنها كبيرة الكبائر, أو القتل المعنوي المجازي بالقهر والإذلال, إنها معادلة القتل والإحياء, القصاص هو عين التكريم وكرامة الإنسان ولكل الناس, لأنه جزاء ومؤخذة لامبادأة بعدوان ومناجزة, القصاص حركة دفع وحياة حتي لا تفسد الأرض, القصاص لا يكون إلا باستحقاق وعدل, الاقتصاص والثأر شريعة الفرد, أما القصاص الحق هو شريعة المجتمع لأن فيه حياته وإحياءه, هو حفاظ علي معاني الإنسانية فيه التي تري كمالها في نظام النفس المفضي الي نظام الحياة بأسرها, القصاص ليس قتلا, ولكنه في مواجهة قتل الجريمة والظلم والاعتداء والاستخفاف بالأرواح والحرمات, والقصاص بحق هو سيادة القانون والمساواة أمامه وهيبة الدولة وفاعليتها لمواجهة أي اعتداء أو عدوان علي الحياة أو الكيان, القصاص في كل ضروب الأنتهاك, القتل أعلاه وهو أولي بالمواجهة, وماهو دونه أولي بالمتابعة, القصاص مقرون بكرامة الانسان وحضارة العمر ان, حياة اجتماعية ومجتمعية, وحياة سياسية وتنظيمية, وحياة أدبية ومعنوية. إن صاحب كل سلطان, ومسيرة كل طغيان في قتل المواطن والانسان إن ماديا أو معنويا أمر يستحق القصاص العادل الناجز الفعال من غير مواربة أو تأجيل أو التفاف أو انحراف الميزان بإخسار أو طغيان. وحينما يأتي العدوان ممن تكون وظيفته أمان الكيان والانسان, فإن القصاص حق المجتمع الذي يجعله في مسئوليته الاجتماعية والمجتمعية فكأنما قتل الناس جميعا,.. فكأنما أحيا الناس جميعا, إنها كرامة الانسان. إن القيام بمهمة القصاص للشهداء والمصابين والذين ازدادوا بأفعال غاشمة طاغية استخفت بالمواطن والكيان أمر من صميم استرداد كرامة الانسان, ولم يعد مقبولا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التعامل علي هذا النحو من الاستخفاف أو الاستهانة بكرامة الانسان أوحياته الكريمة, إن ثورة أرادت أن تسترد هذه الكرامة للمواطن لا يمكن أن تسكت عن القصا, الذي فيه معني حياته وكرامته, ومحاسبة من أهدر الدماء أو أسقط الشهداء, الذين هم في حقيقة أمرهم شهداء علي تكريم الانسان أو انتهاك كرامته من أي أحد ومن كل طريق. استرداد مكانة الوطن التتويج الحقيقي لاستعادة كرامة المواطن. إننا أمام صناعة الثورة المصرية الحقيقية, الصناعة الثقيلة للكرامة والمكانة معا. مكانة مصر في مكانها وزمنها وإنسانها, مصر التاريخ والذاكرة والرصيد الحضاري, مصر الجغرافيا وعبقرية المكان, إنها ليست مجرد موضع بل هي موقع ومكانة, ومصر الإنسان تعني ضمن ماتعني أن مكانة مصر الحقيقية في كنزها البشري وتحويله إلي طاقة نوعية وفاعلية كيفية مؤثرة. ذلك أن الرئيس المخلوع كان ينظر الي المواطن الإنسان بكونه عبئا وعالة, كان هذا التصور بداية مسيرته في الاستبداد والفساد, الاستبداد يأكل حرية الإنسان وكرامته, والفساد يتآكل فيه كيان الإنسان وفاعليته, وبدلا من أن يحفظ الرئيس المخلوع هذه الأمانة الإنسانية الكبري احتقرها وبددها, ولم يعتبرها مجال تعمير واستثمار, وقاعدة تنمية استدامة واستمرار. وتقزيم مكانة مصر والمصريين, وتآكلت المكانة من كل طريق, وحبسها في قمقمه المستبد, وحاصرها بمسارب فساده العائلي وبطانته السياسية, وجعل مقاسه علي ضآلته مقاسا لمصر, وجعل من شرم الشيخ نقطة ارتكازه ومحور نشاطه, حول مصر بطاقاتها وامتدادتها إلي إمارة شرم الشيخ لا يراها إلا ضيعته, فضيع مكانة مصر بسياسته وضيق أفق حركته, إنها النظرة حينما تضيق وتنحسر فلا يري مصرإلا في موضع حدده في شرم الشيخ, فضاق أفقه عن سعة الموقع والمكانة في مصر. مصر لن تكون بحجم أي إنسان أو أي قوة سياسية كانت أم غير سياسية أو أي فصيل يستبد بها فيضيق بسعة مكانتها, وتضيق مكانتها بهؤلاء جميعا, لأن المستبد لا يري إلا نفسه. لمصر مكانة أكبر من أن تحصر حركتها أو مكانتها في خدمة مؤسسة أيا كانت وأيا كان دورها, والمؤسسة العسكرية ليست استثناء ولا خروجا علي هذا القانون, وهذه المؤسسة المهنية حتي تحقق غاياتها وفاعليتها لابد أن تكون في خدمة الوطن, لايخدمها الوطن. مصر بمكانها تتحرك صوب سعة تستشرفها, تشرف فيها علي آسيا وأفريقيا, وهي في قبالة أوربا, يقصدها كل العالم ولايستطيع أن يتغافل عنها أويقفز عليها, حركة مصر وفاعليتها لاتنحصر في محور ضيق, دول الخليج ليست هي سعة المكانة لمصر, وهذه الدول فرادي أو مجتمعة لن تستطيع أن تمنع مصر ولا شعبها ولا ثورتها من استكمال الأهداف أو المكتسبات أو المطالب فإن عجلة التغيير دارت ولن تتوقف. درس المكانة يدل أيضا علي عمل المكانة, عمل بحجم مكانة مصر ومقامها وقوامها, إن مصر تستحق عملا كبيرا بحجم فاعليات المجتمع وطاقته, وشعب مصر وتنوعه, وإن أي محاولة للتقزيم ستبوء بالفشل الذريع لأنها حابسة لمكانتها وفعاليتها, لعزتها وكرامتها. إنه خط تبدأ فيه مصر من عالم الإمكانية حينما يتحول الي مكنة وقدرة ومكانة, وعالم المكانة حينما يترسخ في عالم الفاعلية و التمكين. إن القيمة المضافة التي أضافتها ثورة مصر تمثلت في عبقرية الميدان التي ولدت من رحم عبقربة المكان, التي أشار إليها جمال حمدان, فهل يمكن أن تلحق عبقرية البرلمان و تلتحق بكل اصول المكانة و المكان؟, هل يضبط البرلمان إيقاعه علي إيقاع الميدان و ثورته, و شعب و نهضته, و ثورة مكاسبه و مطالبه و غايته؟. إن من يحاول تدنيس الميدان لا يؤتمن علي كيان أو إنسان مصر, أو مكانة وطن, إن من يحاول تشويه الميدان لا يريد الخير بمصر أو بعبقرية شعبها العظيم, إن من يحاول تجريد الميدان من قوته و قدرته إنما يجرد الكيان من كرامته و الوطن من ثورته و مكانته. إكتشاف الميدان حقق أمرا ليس بالقليل ولا يزال ينتظره الكثير, الميدان أثبت أنه يستعصي علي الإستيعاب, انه يستوعب ولا يستوعب. حركة الميدان بإيقاعه الثوري في منظومة الثمانية عشر يوما يمكن أن تسترد, لأن في إستردادها بداية طريق لنهضة مصر والحفاظ ليس علي عبقرية مكانها فقط بل عبقرية مكانتها أيضا. المستبد لم يعد يستطيع( فردا كان أو عصابة أو مؤسسة أو فصيل و قوي سياسية) الإستبداد بمصر المستقبل, لأن مصر بشعبها الممتد والمتنوع وبعمق رصيده الحضاري وباتساع أفقه المستقبلي ستضيق به. و مصر في سعة مكانتها لن تكون علي مقاس اي مؤسسة منها و فيها حتي ولو كانت تلك المؤسسة هي المؤسسة العسكرية. مصر الثورة أرادت أن تسترد المقام والمكان و المكانة, في مصر الثورة تحدثت مصر عن نفسها وتحدث الميدان في رمزيته عنها ليؤكد أن هذه مصر الوطن التي أريد. المصري ثروة مصر و ثورة مصر هي ثروة المصري. إلي كل من يهمه الأمر, و يطل برأسه من جحور الدولة العميقة التي تحاول الالتفاف علي الثورة أو تحاول إضعاف مناعة هذا الشعب في مواجهة الاستبداد: إننا سنصنع مصر التي نريد مكانتا, وسنحفظ للمصري الذي يبنيها كرامة, وسنتحرك من عبقرية الميدان وصلا بعبقرية المكان بلوغا لعبقرية المكانة. حفظ الله مصر لانها الكنانة, و في كنانتها الكثير, مصر الكنانة مكانة. مصر لم تكسر أو تستعبد, درس مصر الثائرة والناهضة في الخامس والعشرين يجب أن تتعلمه الدنيا و يتدبره الناس, في الخامس و العشرين من يناير القادم ستبدأ مصر مسيرة لن تتوقف لاسترداد الكرامة للمواطن, واستعادة المكانة للوطن. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح