نصف الثورة يعني الثورة الفاشلة.. ومع ذلك فقد كان البعض يتصور أن شعب مصر يمكن أن يقبل بأقل من ذلك، وأن يكتفي بإزاحة الرئيس السابق ودفن سيناريو التوريث وبعض محاكمات الفساد، ثم يترك فلول النظام السابق تحكم وتتحكم بعد أن تسترد أنفاسها وتعيد تنظيم صفوفها!! لم يفهم هؤلاء أن الشعب حين رفع شعار »إسقاط النظام« كان يعني ذلك جيداً، وكان يدرك أن المهمة ليست سهلة، لأنها تعني التغيير الشامل الذي يقضي علي كل أركان دولة الفساد والاستبداد ليقيم النظام الجديد علي أسس ثابتة من العدل والديمقراطية وكرامة الإنسان. وقد كان طبيعياً أن تكون هناك قوي تقاوم الثورة وتحاول تعطيلها وتحرض علي وضع العراقيل في طريقها، وتستخدم كل الأسلحة في سبيل ذلك من إثارة الفتنة إلي تعكير الأمن إلي تعطيل الإنتاج.. لكن غير الطبيعي كان من جانب حكومات ما بعد الثورة حين تترك الأوضاع في مؤسسات الدولة كما هي، وتترك السياسات التي قادت إلي نهب مصر وإفقار شعبها وتراجع مكانتها كما هي، والأخطر.. أن تترك كل الأجهزة الحساسة.. من الإعلام إلي الأمن إلي البنوك والمؤسسات الاقتصادية تحت قيادة نفس الأشخاص الذين نشروا الفساد وبشروا بالتوريث وهللوا للاستبداد، والذين جاءوا لمواقعهم بلا كفاءة وبلا موهبة.. بل برضا لجنة السياسات أو أمن الدولة أو الاثنين معاً في معظم الأحوال! إن جزءاً كبيراً من الاحتجاجات التي تسود الشارع حتي الآن هو من أجل أن تهب رياح التغيير علي هذه المؤسسات، ولكي تكون جزءاً من الثورة بدلاً من أن تظل جزءاً من نظام سابق مازالت فلوله تقاوم وتتآمر علي ثورة الشعب. والتعامل مع هذه التحركات المشروعة لا يكون بالتجريم أو العقاب، وإنما بتفعيل المبدأ المهم الذي أعلن رئيس الحكومة الدكتور عصام شرف في حديثه الأخير التزام حكومته به، وهو أنه »لا مكان لكل من ناصب ثورة 52 يناير العداء في العهد الجديد«.. إنه قانون الثورة الذي تأخرنا حتي الآن في استخدامه، فكانت النتيجة أن بقيت فلول النظام السابق تتحصن في مواقعها داخل أخطر أجهزة الدولة التي مازالت تنتظر التغيير.. والتطهير!!