كان حكم الإخوان, رغم قصر مدته, خرابا علي الجماعة وتاريخها, كما كان خرابا علي الدعوة الإسلامية ذاتها, فضلا عن أنه كان خرابا- ولا يزال- علي الوطن كله, وأن تجربتهم في الحكم كانت فاشلة وبائسة, وكشفت عن ثغرات قاتلة لدي الإسلاميين, وأنهم لم يختلفوا عن غيرهم.. هكذا وصف د. محمد حبيب, النائب الأول السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين, حكم الإخوان المسلمين, بعد أن قضي43 عاما من أجمل أيام حياته, وأحلي سني عمره وسطهم, ولكنه انسحب وتركهم, علي خلفية انتخابات مكتب الإرشاد, التي رأي أنه شابها تمرير موجه. ولذلك, كان هذا الحوار معه. كيف تصف حكم الإخوان؟ كان حكم الإخوان, رغم قصر مدته, خرابا علي الجماعة وتاريخها, كما كان خرابا علي الدعوة الإسلامية ذاتها, فضلا عن أنه كان خرابا- ولا يزال- علي الوطن كله, وأن تجربتهم في الحكم كانت فاشلة وبائسة, وكشفت عن ثغرات قاتلة لدي الإسلاميين, وأنهم لم يختلفوا عن غيرهم, ولا ندري ما الذي كان يمكن أن يحدث لو أنهم استمروا أكثر من ذلك؟. كان تقديره سبحانه أن تقوم ثورة03 يونيو, وينحاز لها الجيش, ويتم عزل الإخوان عن الحكم, وتوضع خريطة طريق لتحديد خطوات مرحلة انتقالية أخري. لكن أبي الإخوان وأنصارهم- والغرب- إلا أن يقفوا عقبة كئودا أمام خريطة الطريق في محاولة تفشيل الثورة, واستعادة السلطة, ولو علي أطلال الدولة, أو أنهار الدماء. بما أنك خبرت الإخوان ردحا طويلا من الزمن, كيف تفسر الابتسامة التي تكسو وجوه قيادات الإخوان عقب إلقاء القبض عليهم؟ لاحظ الكثيرون أن بعض قيادات الإخوان, أثناء إلقاء القبض عليهم عقب عزل الدكتور مرسي, وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة, كانوا حريصين علي التحلي بابتسامة عريضة علي شفاههم. لعلنا قرأنا تعليقات متباينة حول هذا الموضوع. فمن قائل: إن هؤلاء الناس معاتيه, أو بلهاء, وأنهم غير واعين لما هم فيه, إذ كيف لهم وهم في هذا الموقف أن يبتسموا بدلا من أن يكسو الغضب والحزن وجوههم؟ ومن قائل: إن هؤلاء جبلات, أو أنطاع متبلدو الحس فاقدون للشعور, لأن ما هم فيه يستفز مشاعر أي إنسان سوي. ومن قائل: إنهم يحاولون إخفاء فشلهم, والتغطية علي مصيبتهم بهذه الابتسامات المصطنعة. الحقيقة أن الناشط السياسي, سواء كان صاحب عقيدة أو أيديولوجية- أيا كانت- لا يختلف في رد فعله عن أي شخص آخر لحظة إلقاء القبض عليه. صحيح أنهما يظهران سلوكا واحدا, لكن الأول سرعان ما يبدي تماسكا, يظهر بأجلي وأوضح ما يكون في حضور صحفيين أو مصورين, لأنه يعلم أن الكلمة والصورة سيتم تداولهما, ربما علي أوسع نطاق ممكن, لذا يحرص حينذاك علي أن يعطي انطباعا لدي من يراه- أو سوف يراه- بأن ما هو فيه جدير بالفخر والاعتزاز, وأنه يناضل من أجل قضية كبيرة ومهمة, وأن هذا الدرب سار فيه معظم الساسة في القديم والحديث. هل لا يزال للإخوان أو ما تبقي منهم تأثير في الجماهير؟ أعتقد أن رصيد الإخوان لدي الجماهير قد تراجع كثيرا, فقد كانت تجربة الإخوان في الحكم فاشلة, وبائسة, وتعيسة, وهو ما أدي إلي ثورة30 يونيو, التي شارك فيها عشرات الملايين من الشعب المصري. كما ألقت الاعتصامات, والتظاهرات, والصدامات الدموية, وإشاعة الفوضي التي قام بها الإخوان وأنصارهم بظلالها السلبية, وسوف ينعكس ذلك كله علي أي انتخابات قادمة. كيف تري معالجة الدولة لفكر الإخوان حتي يتخلوا عنه؟ فكر الإخوان وفهمهم ونظرتهم للإسلام, وكذلك برامجهم الدعوية والتربوية والسياسية, ووسائلهم, وأساليبهم, وخططهم, وبرامجهم من حيث الحركة والسير بالمنهج, كل ذلك يحتاج إلي تقويم, فهو- في التحليل الأخير- فكر بشري, قد نتفق أو نختلف معه. صحيح من الصعب أن يتنازل الإخوان عن فكرهم, خاصة في مثل هذه الأجواء المحتقنة, لكن من المهم أن تشكل لجنة متخصصة من أهل العلم والفقه, وهذه تعكف أولا علي قراءة ودراسة هذا الفكر للتعرف علي ماهيته, والنقاط الإيجابية والسلبية فيه, ثم تعرض الدراسة بموضوعية, وإنصاف علي الرأي العام. فالكثير من الناس لايعلمون شيئا عن فكر الإخوان, ولا الفرق بين فكر الإخوان, وفكر السلفيين, وهل ثمة اختلاف بين فكر الإخوان والسلفية الجهادية؟, وما هو؟ وبعد أن تهدأ الأجواء, ويزول التوتر, من الممكن أن تجري حوارات مع مجموعات من الشباب. ماذا تفضل إجراءها أولا: الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية؟ ولماذا؟ شخصيا, أفضل أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا, فنحن في فترة تحتاج إلي رئيس يجتمع عليه شمل الناس سريعا, لأن الانتظار حتي تتم الانتخابات البرلمانية ربما يؤدي إلي مزيد من الحيرة والبلبلة والاضطراب, هذا فضلا عن أن الانتخابات البرلمانية ذاتها سبب آخر للتمزق والتشرذم. ولا شك في أن وجود رئيس منتخب سوف تكون له آثاره الإيجابية علي التعامل مع العالم, فهو رمز لاستقرار الدولة أولا وأخيرا. هل يمكن للجماعة أن تؤثر في الإقبال علي الاستفتاء؟ بالتأكيد, سيكون هناك تأثير, لكنه تأثير ضعيف, وإن كنت أتوقع أن تدعو الجماعة في آخر لحظة أعضاءها وأنصارها والمتعاطفين معها لقول لا لمشروع الدستور, فهي تريد تفشيله بأي ثمن, حتي يقال إن ثورة30 يونيو قد فشلت. كيف تري مستقبل الجماعة السياسي والتنظيم الدولي للإخوان؟ فشل الجماعة في الحكم, واعتصامها في رابعة والنهضة, ثم التظاهرات المرتبطة بالعنف, والصدامات الدموية, وإثارة الفوضي في الشارع, وفي الجامعات, كل ذلك يخصم من الرصيد الشعبي للجماعة, وسوف يلقي بظلاله السلبية علي المستقبل السياسي لها. ولا شك في أن فشل تجربة الإخوان في حكم مصر ألقي بظلاله السلبية علي الإخوان في الدول الأخري, مع أن لكل تنظيم ظروفه, ومشكلاته, وتحدياته, فضلا عن السياق الخاص- الدستوري والقانوني- الذي يعمل من خلاله. لم يكن أحد يتصور هذا السقوط المفاجئ والسريع, فثقة تنظيمات الإخوان في تنظيم إخوان مصر كانت كبيرة للغاية, وكان هناك اعتقاد بأنه إذا وصل إخوان مصر إلي الحكم فسوف يمكثون فيه طويلا, كان هذا يمثل أملا, علي أساس أن إخوان مصر يمثلون القاطرة التي سوف تشد خلفها تنظيمات الإخوان في الدول الأخري. لكن, للأسف, لم تكن قيادة تنظيم إخوان مصر الحالية علي مستوي هذه الثقة, لم تلتزم بمنهج الجماعة, من حيث المرحلية والتدرج, وحسن إعداد أفراد الصف- ثقافة وأخلاقا وسلوكا- علاوة علي عدم التنسيق والتعاون مع أطراف الجماعة الوطنية, هذا فضلا عن توريط الجماعة في صدام مسلح مع أجهزة الدولة والشعب. من المؤكد أن هناك أنظمة حكم عربية فرحت بهذا السقوط, لكن هناك دولا أخري حزينة وغاضبة وناقمة, خاصة علي الجيش المصري الذي استجاب لقطاع عريض من الشعب في ثورته علي نظام حكم الإخوان, في03 يونيو, كتركيا وقطر, ومن قبل ذلك وبعده الكيان الصهيوني, والولايات المتحدة, والاتحاد الأوروبي. في تصوري, يرجع فرح هذه الأنظمة لفشل إخوان مصر في التعامل معها, فضلا عن التحالفات التي عقدوها مع الجماعة الإسلامية, والسلفية الجهادية, والجهاديين الذين يمارسون العنف والإرهاب, والذي يخشي من انتقاله إلي تلك الأنظمة. لذا, فأنا لا أعول كثيرا علي تنظيم دولي, مترهل وضعيف, ولا وجود له علي أرض الواقع, فهو يأخذ أكبر من حجمه كثيرا, ولا أتصور أن تكون لتحركاته آثار علي الوضع هنا في مصر. وبقدر ما تمضي الدولة بثبات وعزم وتصميم في خريطة المستقبل, وبقدر ما تؤدي الخارجية المصرية عملها بكفاءة واقتدار, بقدر ما سوف يتلاشي أي تأثير لهذا التنظيم, سواء علي مستوي الخارج أو الداخل المشكلة تكمن في الغرب المكلوم الذي أطاحت ثورة03 يونيو بأحلامه, والذي يحاول توظيف واستثمار تحركات هذا التنظيم خلال هذه الفترة من أجل مشروعه الخاص. أعتقد أن الحكومة المصرية عليها واجب مهم هذه الأيام, هو التعامل مع الأحداث الجارية بحسم, بما يؤكد ويعزز سيادة القانون. فلتستمح لي عذرا, يردد البعض أنك ومعظم القيادات التي خرجت من الجماعة خلايا نائمة.. ما قولك؟ مسألة الخلايا النائمة كانت بسبب الضغوط التي مارسها نظام مبارك علي الجماعة, حيث أدت لعدم كشف أو إعلان بعض الإخوان عن انتمائهم, حتي لا يتعرضوا للتضييق, أو الملاحقة, أو المتابعة, أو الاعتقال. لكن بعد ثورة يناير, حيث نال الشعب حريته, توقف هذا كله. ولا شك في أن من خرج من الجماعة كانت له أسبابه ودوافعه, وهذه لا تزال قائمة, بل ربما تشعبت وتعقدت, وزادت من عمق واتساع الفجوة بينه وبين الجماعة, وبالتالي لن يعود إليها. وبالنسبة لك؟ بالنسبة لي, أصبح الأمر منتهيا, ولا سبيل إلي العودة, فقد جرت في النهر مياه كثيرة. ماذا تتوقع للاستفتاء أن يحوز من تصويت؟ أتوقع أن يكون هناك إقبال جماهيري علي التصويت, ربما يصل لأكثر من60%, بالرغم من مقاطعة البعض له, وبغض النظر عمن سيقول نعم, ومن سيقول لا. هل يمكن للجماعة أن تؤثر في الإقبال علي الاستفتاء؟ بالتأكيد, سيكون هناك تأثير, لكنه تأثير ضعيف, وإن كنت أتوقع أن تدعو الجماعة في آخر لحظة أعضاءها وأنصارها والمتعاطفين معها لقول لا لمشروع الدستور, فهي تريد تفشيله بأي ثمن, حتي يقال إن ثورة30 يونيو قد فشلت.