ادعت جماعة الإخوان الضالين دائما أن غرضها هو الدعوة للإسلام دين الله العظيم علي نهج خاتم المرسلين محمد بن عبدالله. ومعلوم أن أخص خصائص الإسلام هي الرحمة ومكارم الأخلاق. فما بال السلوك السياسي لقيادات الجماعة وأتباعها ينحرف بالكامل عن هاتين الخصيصتين الساميتين؟ إن منتهي التزام قيادات الجماعة الضالة واتباعهم المغرر بهم بمكارم الأخلاق هو بدء الحديث بالبسملة والصلاة علي النبي, ولو تبعه كذب وتضليل وعدوان مما نهي عنه الإسلام نهيا قاطعا. ويظهر هذا النهج بأوضح صورة في أيتام الإخوان الضالين المستضافين في الدوحة برعاية قناة الجزيرة المضللة. ولكنه للأسف يمتد أيضا إلي أعداد ليست بالقليلة من الشباب المضلل والمستغل كوقود لمعركة اليمين المتأسلم الأخيرة. بينما بعض القيادات التي أفلتت من قبضة الأجهزة الأمنية قد فرت ويعيش معززا في المنافي. بينما حول الأتباع من الشباب المغرر به الجامعات ومعاهد العلم إلي ساحات حرب وتخريب, ولابد أن هذه النشاطات ممولة من أموال الجماعة الآثمة التي افلتت هي الأخري من قبضة الحكومة المؤقتة, وما زالت تجد طريقها لتمويل الأنشطة الإجرامية والإرهابية لأتباع الجماعة من الشباب. وإن كانت الجماعة الضالة تدعي أن رسالتها السياسية هي الدعوة للإسلام, فما بال السلوك السياسي للشباب من أتباع الجماعة لا يقترب ولو من بعيد من جوهر الخلق الإسلامي. حتي البنات, المفترض فيهن الرقة واللطافة, من أتباع الجماعة الضالة تحولن إلي ضوار كاسرات لا يعبرن عن أنفسهن إلا بالعنف والعدوان باللفظ والفعل وبقطع الطرق وتخريب المنشآت العامة. تفسيري الوحيد أن برنامج التربية الذي قامت عليه الجماعة الضالة كان يتكون من شقين. الأول شكلي وسطحي يقوم علي الدعوة للإسلام مع التركيز علي الشعائر والعبادات لاستجلاب رضا بسطاء العامة علي الجماعة وأتباعها. والثاني والأهم سياسيا, سري وعميق, يبدأ بالقسم علي السمع والطاعة للقيادات الأعلي وعلي رأسها الكاهن الأكبر المسمي بالمرشد للتعمية, وهكذا يجهز برنامج التربية مجرمين وإرهابيين تحت التمرين يعلون من مصلحة الجماعة ولو علي حساب الوطن, أي باختصار خارجين علي الدولة أو خونة محتملين للوطن في الانتظار إن تطلب الأمر. تحضرني واقعة تعبر عما زعمت من وقت كنت أدعي لإلقاء محاضرات في مراكز لجماعة الإخوان الضالين حين كان بعضنا يظن أن الجماعة تشكل فصيلا وطنيا مقاوما للحكم التسلطي قبل قيام الموجة الأولي من الثورة الشعبية العظيمة. وكان يجتذبني للقيام بهذا النشاط أن الحضور كان عادة يضم كثيرا من الشباب الذين كنت دائما أعول عليهم في تغيير مصير مصر وصولا للحرية والعدل, وكنت أحرص علي ان تكون هناك فسحة من الوقت للأسئلة والنقاش. أذهلني في أحد هذه اللقاءات أن قال لي أحد شباب الجماعة: أنا أتمني أن تحتل إسرائيل مصر, وإن حدث سأكون في صف إسرائيل. وبمتابعة النقاش معه تبين لي أنه خرج لتوه من معتقل ما حيث تعرض لتعذيب طويل ومهين. وقتها تفهمت الموقف المندفع وفسرته بأنه رد فعل متهور ومبالغ فيه علي انتهاك صارخ لحقوقه كإنسان وظلم فادح تعرض له الشاب من جهاز أمن قمعي وباطش وأدهشني وقتها أن يتجرأ شاب مصري علي الجهر بمثل هذا القول الخياني لي علنا وأنا مواقفي معروفة. وأدهشني اكثر أن لم يتعرض له بعض قياديه الحاضرين باللوم أو التصحيح. ولكنني الآن افهم, بحكمة ما بعد الحدث, أن مثل هذا المنطق الإرهابي والخياني لا يستبعد من تربية الجماعة لأتباعها. بدليل ما تفوه به قادة الجماعة من عدوان علي الوطن والشعب وقواته المسلحة, وصولا إلي مفتيهم القرضاوي ومنظرهم الجوادي صاحب التهويمات الهزلية مثل تشكيل حكومة في المنفي, من معاقل أيتام الإخوان الضالين وملاذاتهم في قطر وتركيا. فقبل كل شئ هذه الجماعة باعتبارها تنظيما دوليا, لا تنتمي إلي وطن, ومن ثم لا يستهدف سعيها للسلطة رفعة هذا الوطن, وحكمه ليس إلا منصة لتحقيق هدفها العابر للأوطان, ويقبل التضحية بمصالح وطن معين وبأي انتماء له في سبيله. للأسف لابد من الاعتراف بأن الجماعة الضالة قد تغلغلت في عقول وأفئدة بعض ليس بالقليل من شباب مصر, وان هذه الفئة تستغل الآن لتعطيل وإرباك الحياة في البلاد متوسلة العنف والإرهاب الإجرامي في محاولة يائسة لتركيع الوطن وإفشال خريطة المستقبل التي توجت الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة في يونيو/يوليو2013 والتي اسقط الشعب بها حكمهم البغيض, بمدد كريم من قواته المسلحة الباسلة. وفي هذا التغلغل نجاح أسود للجماعة الضالة في استمالة الشباب حققته قبل وصولها إلي الحكم وخلال اقتناصها للسلطة تتحمل مسئوليته الدولة قبل الثورة والسلطات الانتقالية بعد قيام الموجة الأولي والثانية علي حد سواء. فالدولة في جميع هذه المراحل لم تقدر علي تحييد الانتشار الخبيث للجماعة الضالة بين النشء والشباب, ولم تستطع أن تصل إلي عقولهم وافئدتهم بمشروع نهضوي يعصمهم من الوقوع في حبائل الجماعة المضللة. وللحق فإن وزر الدولة يعود إلي ماقبل اندلاع الثورة الشعبية حين كانت الجماعة وقتها محظورة ما كان يتيح الغطاء القانوني لمكافحة نشاطها الهدام بين النشء والشبيبة. ولكن الوزر الآن أكبر علي الحكومة المؤقتة التي لم تتمكن من القيام بالمصالحة مع هؤلاء الشبيبة حتي بعد إسقاط حكم اليمين المتأسلم, علي الرغم من كون المصالحة الوطنية أحد الأركان الرئيسية لخريطة المستقبل. وجلي أن تحقيق نجاح ملموس في مهمة المصالحة الوطنية سينعكس حتما علي ضمان ظروف افضل لنجاح باقي اركان خريطة المستقبل ومن أسف أن وزارات وأجهزة عديدة تتحمل ذلك الوزر تشمل الأزهر والتعليم و التعليم العالي والثقافة والإعلام والشباب والأوقاف والعدالة الانتقالية وأجهزة الأمن بالطبع. وقد بدأت بالأزهر الشريف لأن مدارسه وجامعاته قد تحولت علي ما يبدو إلي بؤرة يتركز فيها سرطان الإخوان الضالين ويستشري بين النشء والشباب, وهو مصدر خطر داهم يتعين أن تنتبه له الدولة بكاملها. ولو كانت هذه الحكومة المؤقتة قادرة علي التفكير الاستراتيجي والفعل المبادر لأنشأت مجموعة عمل تتميز بالقدرات الاستراتيجية والكفاءة التنفيذية للقيام بهذه المهمة المصيرية, بدلا من تكوين لجنة عليا لتحسين صورة الحكومة برئاسة نائب رئيس وزراء مثلا. ولا يجوز التنصل من هذه المهمة بدعوي أن الأعداد المشاركة في هذه التجمعات المخربة قليلة, فهناك علي الأرجح دوائر تحيط بهذه النواة الصلبة يمكن اجتذابها للمشاركة من خلال الإغراء بالتمويل أو مثالية الدفاع عن الحرية في وجه حكم قمعي. وللإيضاح القاطع, لن يفلح مع هؤلاء الشبيبة منطق الأمن الذي يزعم وزير الداخلية أن باستطاعته القضاء علي نشاطاتهم السياسية بالقبضة الغليظة في بضع دقائق. المطلوب قطعا استراتيجية متعددة الأبعاد لا تتوقف عند القبضة الأمنية وتتعداها إلي استمالة العقول والأفئدة, خصوصا بالفكر الثوري المستنير لصحيح الإسلام. وهذا موضوع سأتناوله بجهد متواضع في المقالين التاليين لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى