علي عكس ما يري البعض, أن الشتاء بكل ما فيه من ظواهر كونية كالرعد والبرق وشدة البرودة والأمطار الغزيرة التي تصل إلي حد السيول في أحيان كثيرة. مدعاة للكسل والخمول, حيث يري علماء الدين ان فصل الشتاء هو ربيع العابدين, وفرصة لزيادة الإنسان المسلم في التقرب إلي الله تعالي بالطاعات, وفي الوقت نفسه زيادة العمل والإنتاج علي جميع الأصعدة. يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور, أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر, إن الإنسان المسلم مطالب في كل أوقات عمره, بانتهاز واغتنام فرصة وجوده في هذه الحياة, ليتزود منها للدار الآخرة, كما أوصي بذلك الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم, في الحديث المشهور, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سق مك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك. بغير مشقة وأشار إلي انه توجد أوقات تتيح للمسلم أن يتزود بالزاد الحقيقي من الطاعات, دون ان يتحمل كثيرا من العناء والمشقة, مما يعينه ويشجعه علي الإكثار من الطاعات ابتغاء لمرضاة الله تعالي, حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم...وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب, موضحا أن من هذه الأوقات موسم الشتاء, والذي يقال عنه إنه ربيع العابدين, نظرا لطبيعة المناخ فيه, وقصر ساعات نهاره, وطول ساعات ليله, فالإنسان في الشتاء لا يشعر بالمشقة, إذا ما صام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع, وأيضا الأيام التي تسميبالأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر, من كل شهر عربي. وأوضح أن إحياء سنة قيام الليل لها حظ وافر في فصل الشتاء, من عدة جوانب منها ان ليل الشتاء طويل, مما يساعد الإنسان إذا نام مبكرا, أن يأخذ قسطا كافيا من النوم في أول الليل, حتي يستيقظ في أوقات السحر-علي الرغم من شدة البرد- ليحيي ليله بالقيام والذكر والتبتل والتهجد وقراءة القرآن الكريم ومناجاة رب العزة سبحانه وتعالي, وطلب المغفرة من الذنوب والآثام, قال تعاليأقم الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا, مشيرا الي ان الدعاء والابتهال وطلب العفو من رب البريات أرجي للقبول في الثلث الأخير من الليل, حيث يستشعر الإنسان المسلم أن الإله الكريم يتنزل في هذا الوقت من الليل, كما ورد ذلك في الحديث الصحيح, عن أبي هريرة عن رسول الله صلي اللهم عليه وسلم قال ينزل الله إلي السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتي يضيء الفجر, فالإنسان المسلم عليه أن يكون حريصا علي ان يغتنم هذه اللحظات الطيبة, وهو واقف بين يدي ربه يرجو رحمته ويخاف عذابه, ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة, وما أجملها من لحظات وساعات, فيجب علينا اغتنام فرصة أيام و ليالي الشتاء, لننهل من هذا المعين العذب, ولنجدد صلتنا بالله تعالي حتي نفوز مع الفائزين. استثمار النشاط وفي سياق متصل, يري الدكتور عبد الغفار هلال, الأستاذ بجامعة الأزهر, أن فصل الشتاء فرصة للنشاط علي جميع الأصعدة, ليس في العبادة وحدها, ولكن في شتي مجالات الحياة, موضحا أن في أيام وليالي الشتاء تظهر آيات الله كالبرق والرعد والأمطار, تعلمنا الخوف من الله تعالي, وتنذر من عقاب الله للمقصرين في حقه, وفي الوقت نفسه, يطمع الجميع في مغفرته ورحمته, قال تعالي في كتابه العزيزهو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال, وفي تسبيح الرعد لله تعالي تذكير للإنسان المسلم, ألا يغفل عن ذكر الله تعالي في اي حال من الأحوال. وأشار الي أن الفكر والذهن يكونان صافيين في فصل الشتاء, بدليل ان عمل المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية يكون في الشتاء, حتي تكون نسبة الاستيعاب لدي المتعلمين عالية, كما تكون الهمة والحماس والنشاط والحركة العملية, مرتفعة لدي الإنسان في فصل الشتاء, مما يمكن استثمار ذلك في زيادة الإنتاج ودفع عجلة التنمية الي الإمام, حتي يتحقق الازدهار والتقدم والرخاء للجميع. وأوضح أن علي الآباء والأمهات, في فصل الشتاء, تدريب الأطفال علي العبادة بمختلف أنواعها, خاصة الصيام, حيث إن يوم الشتاء وقته قصير, ومناخه لطيف مما يساعد الأطفال علي التدريب والتعويد علي الصيام دون عناء ومشقة, حتي يحبوا هذه الفريضة منذ الصغر, مع ربط ذلك بباقي العبادات من صلاة وقراءة للقرآن, خاصة ان في أيام الشتاء يكون الأطفال ملتزمين بمواعيد أوقات الدراسة, بحيث يجري التطبيق العملي لهم علي ممارسة العبادة التي يدرسونها في المناهج, بقدر المستطاع في فصل الشتاء, مستثمرين نشاطهم وذهنهم الصافي, في كل ما ينفع المجتمع في المستقبل.