بعد أكثر من عامين من التأجيل,أجريت في موريتانيا السبت الماضي الانتخابات البرلمانية والمحلية وهي الأولي منذ حدوث انقلاب عسكري في2008 أوصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلي السلطة., وتأتي بعد فشل حوار وطني بين السلطات والمعارضة, ووسط مقاطعة جزء من المعارضة. وتشير النتائج غير الرسمية إلي تقدم الاتحاد من أجل الجمهورية( الحزب الحاكم) والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية من المعارضة غير المحاورة, وقطبي المعارضة المحاورة التحالف الشعبي التقدمي والوئام الديمقراطي.وقد أظهرت النتائج الاولية انحسار مفهوم الحزبية, في مقابل حضور قوي للقبيلة والدين والدولة, مما يفسره بعض المراقبين بوجود فراغ احدثه عدم مشاركة احزاب ليبرالية ويسارية في العملية الانتخابية من جهة والدفع بمرشحين الي اماكنهم الاصلية مما ادي لظهور دور بارز للقبيلة من جهة اخري. ويبدو ان هذا الفراغ كان لابد ان تشغله الاطراف التي قررت المشاركة في هذه العملية كل بأساليبه وأدواته, ففيما وجد بعض الناخبين في الاحزاب ذات المرجعية الاسلامية فرصة لملء هذا الفراغ, وجدت احزاب اخري في المشاركة فرصة للتقرب اكثر من النظام. ورغم ان الصراع كان جليا بين الحزب الحاكم وحزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية تواصل الذي كان قبيل الانتخابات احد اكثر الاحزاب راديكالية قبل ان يقرر منفردا المشاركة في الاستحقاقات, الا ان ظهور لوائح تحمل هي الاخري خطابا دينيا وتستخدم اساليب لاثارة مشاعر الناخبين وتدعو الي التصويت للعلماء كل هذه العوامل عكست نزعة عامة تنسحب علي الطبقات الفقيرة والمتوسطة,وهي الانخراط وراء الخطابات الاكثر قربا من المرجعية الثقافية والدينية لمجتمع يتمتع غير الاميين فيه بثقافة عالمة بينما يتاثر غير المتعلمين بالخطابات التي تعبر عن واقعهم بطريقة تفسره بخلفية دينية.وعلي مدار الأسبوعين الماضيين دخل أكثر من60 حزبا سياسيا في حالة من الصراع المرير لكسب المعركة, في حين ذهب ما يعرف بمجموعة أحزاب المنسقية العشرة بعيدا في الدعوة إلي مقاطعة ما تعتبره مهزلة انتخابية لم تتوفر لها شروط النجاح ولا مسوغات المشاركة, ولم تدخر هذه الأحزاب جهدا في التعبئة والتحريض علي عدم المشاركة فيها, بل تجاوزت ذلك إلي حد تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والتهديد بالسعي إلي منع إجرائها جبرا يوم الاقتراع, علي الرغم من عدم توفر دلائل موضوعية جدية تثبت قدرتها علي تنفيذ التهديد. وفي المقابل ظهرت عشرات الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بطيفها الموالي والمعارض في حالة من الصراع المحموم علي اكتساب قلب الناخب بعيدا عن عقله, فارتكز الصراع في أحيان كثيرة علي إحياء الانتماءات العرقية, في حين ظل الغائب الأبرز هو الخطاب السياسي المتوازن النابع من الوعي بمشكلات المجتمع والقادر علي تقديم الحلول الناجحة لها. وبعد اعلان النتائج الأولية,أكدت أحزاب تنسيقية المعارضة التي تقاطع الانتخابات في موريتانيا أن النتائج الأولية لهذه الانتخابات تؤكد نجاح دعوتها للمقاطعة, وتبرر عدم مشاركتها فيها, فيما يحبس الموريتانيون أنفاسهم في انتظار النتائج التي تأخر ظهورها, مما أثار ردود فعل سلبية لدي الأحزاب المشاركة ومناصريها.واعتبرت التنسيقية أن الانتخابات وضعت البلاد علي شفا حرب أهلية, بفعل تعدد النتائج التي يتشبث بها كل طرف, في مقابل سلبية واضحة من اللجنة المستقلة للانتخابات, وضبابية في تسييرها للعملية الانتخابية. ويقول زعيم المعارضة أحمد ولد داداه إن النتائج التي ظهرت حتي الآن تعد نوعا من التخبط والارتباك والارتجال, مما يبرر مقاطعة أحزاب التنسيقية والنأي بنفسها عما أسماه المهزلة الانتخابية,فيما أكدت الأحزاب الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز, والتي شاركت في الانتخابات, أن دعوة تنسيقية المعارضة للمقاطعة فشلت بشكل كامل..