الضغط المستمر حتي الانهيار, سمة التحركات الأمريكية تجاه سوريا منذ بداية أزمتها قبل عامين. فعلي الرغم من الحديث حول إرجاء توجيه ضربة عسكرية أمريكية لسوريا والإكتفاء بنزع الأسلحة الكيميائية من يد الأسد, والتحرك نحو عقد مؤتمر جنيف 2 لتسوية الأزمة السورية, فإن ما يجري داخل أروقة اتخاذ القرار الأمريكي يشير بما لايدع مجال للشك إلي أن واشنطن تتحرك لإحكام قبضتها تدريجيا علي نظام الأسد, بل وحول رقاب رموزه وقادة المعارضة السورية معا! فبهدوء وتحت شعار الحفاظ علي حقوق الإنسان ومكافحة جرائم الحرب, تجري المداولات داخل الكونجرس الأمريكي لإقامة محكمة خاصة لجرائم الحرب التي ارتكبت منذ بداية الأزمة في تحرك يهدف إلي إعداد الزنازين ومنصات الإعدام لقادة ورموز النظام السوري والمعارضة معا, ممن تستهدفهم الحملات الدعائية الغربية وتتهمهم بارتكاب' جرائم حرب'. بدأت الخطوات الأولي للمخطط الأمريكي في سبتمبر 2013, بتلقي الكونجرس صيغة مقترحة لقرار يدعو إلي التأسيس الفوري لمحكمة جرائم حرب في سوريا. وتم تحويل القرار إلي لجنة بالكونجرس للبت فيه. وقد أشارت الصيغة بالقرار المقترح إلي الرغبة في إجراء تحقيقات ورفع قضايا متعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعمليات الإبادة الجماعية في سوريا, سواء ارتكابها مسئولون في الحكومة السورية أو أفراد من' الجماعات الأخري' المشاركة في الصراع المسلح. وقد تحددت ملامح التحرك الدبلوماسي والسياسي الأمريكي فيما يلي: حث الحكومة السورية والجماعات الأخري المشاركة في الحرب الأهلية علي وقف إطلاق النار فورا, والدخول في مفاوضات لانهاء سفك الدماء. تطالب واشنطن بالتحقيق في وقائع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية, والإبادة الجماعية والذهاب بالمسئولين إلي المحكمة, سواء ارتكبت تلك الجرائم من قبل المسئولين السوريين أو أفراد' الجماعات الأخري' المشاركة في المواجهات بسوريا.. صدور توجيهات من الرئيس الأمريكي لممثل الولاياتالمتحدة لدي الأممالمتحدة بدعم إنشاء' محكمة جرائم الحرب السورية'. بالتعاون مع دول أخري لإنشاء محكمة جرائم الحرب السورية وتشجيع الإجراءات القضائية التي تمكن الادعاء من تحديد وملاحقة الأشخاص الذين سيتم تحميلهم بالمسئولية عن ارتكاب هذه الجرائم. البدء بشكل فوري في جمع المعلومات لاستخدامها كأدلة لدعم الإتهامات ومحاكمة أي شخص مسئول عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, أو جرائم الإبادة الجماعية في سوريا. الدفع بقوة لدي الدول الأخري بالتعاون في اعتقال وتسليم المتهمين من قبل محكمة جرائم الحرب السورية بارتكاب جرائم حرب, وجرائم ضد الإنسانية, أو جرائم الإبادة الجماعية في سوريا, وحث هذه الدول علي تقديم المعلومات ذات الصلة إلي المحكمة. وأخيرا شهدت القاعة 2172 بمبني ريبورن بواشنطن التابع لمجلس النواب بالكونجرس اإنعقاد جلسة تطرق المشاركون فيها إلي سبل تحويل النقاط سالفة الذكر من المخطط إلي أمر واقع بعد أن تمكنت الدبلوماسية الأمريكية من حشد تأييد64 دولة من بينهما6 دول أعضاء بمجلس الأمن. وقد تم اقتراح خمس آليات لمحكمة جرائم الحرب السورية وهي وفقا لترتيبها:1- محكمة مخصصة لهذا الغرض من قبل الأممالمتحدة.2 إقامة محكمة إقليمية تتيحها معاهدة مع هيئة إقليمية.3 تدويل محكمة محلية.4 إنشاء محكمة محلية تتألف من قبل مواطنين سوريين في إطار نظام العدالة السورية.5 المحكمة الجنائية الدولية. وقد تم عرض مقترحات لعدة أماكن يمكنها أن تستضيف المكاتب الإقليمية لتلك المحكمة مثل العاصمة الأردنية عمان أو أنقرة في تركيا أما المقر الرئيسي حيث تتم المحاكمات والقضاة وغرف المحاكمة ففي لاهاي. وعلي الرغم من كل تلك الحماسة الأمريكية تجاه مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان, وجرائم الحرب, والإبادة الجماعية فإن أحدا لم يتطرق إلي تسريب معلومات أو ملاحقة الجهات التي تتولي تقديم السلاح والعتاد والدعم المعلوماتي والتدريبي الذي يتم تقديمه للعناصر المقاتلة السورية والأجنبية التي تعمل فوق الأراضي السورية وضد السوريين أنفسهم!! خاصة بعد نشوب صراعات مسلحة داخلية في صفوف الجبهة المعارضة لنظام الأسد. وتجدر الإشارة إلي أن الصراع في سوريا قد خلف حتي الآن مايقدر ب100 ألف قتيل و7 ملايين نازح و3.5مليون لاجئ منتشرين في الدول المجاورة. وهكذا تشير كل الخطوات والمقترحات والاستعدادات سالفة الذكر إلي أن الأمر لن ينتهي بالوصول إلي تسوية في جنيف 2 بل ستكون هناك محاولة لاستدراج أكبر قدر من العناصر السورية المشاركة في الصراع إلي' حتفهم'.