لم أقتنع بجدية الحملة التي قامت بها الاجهزة الامنية أخيرا لإعادة الانضباط وإزالة المخالفات ورفع إشغالات الباعة الجائلين بشوارع القاهرة.. فبالرغم من قيام أجهزة الاعلام بتصوير جانب من هذه الحملات لزوم المجد والشهرة للقيادات الامنية إلا أن ما نراه في الشارع يعيدنا إلي أمجاد أبو لمعة أشهر الفشارين علي أيامنا نحن أبناء الجيل القديم الذي كان يشحذ وجدانه بالزخارف المعمارية التي تتزين بها مباني وسط العاصمة والتي كانت كتابا مفتوحا يجسد تراث هذا الوطن بينما يأتي الباعة الجائلون هذه الايام بالتحالف مع مافيا الميكروباص وتراخي قوات الشرطة للإجهاز علي كل القيم الحضارية والجمالية في هذه البلاد!. وأقول لمن لا يصدقني حاول المرور بسيارتك في شارع26 يوليو فؤاد سابقا في المنطقة بين الإسعاف وكورنيش النيل عند بولاق حيث ستري مالا عين رأت مما يعيدك إلي عهد فتوات الحسينية ويتحول فيها الشارع العريق إلي حارة احتل فيها الباعة كل شيء بدءا بالرصيف ثم نهر الطريق وأيضا الجزيرة الوسطي التي قام العديد من الباعة بتقفيلها بالحديد لتصبح مخازن لبضاعتهم ولم ينس هؤلاء بالطبع إنارة محالهم العشوائية علي حساب الحكومة بتيار مسروق من أعمدة الإنارة! وقد يتصور بعض المسئولين أن إثارة هذه المشكلة في هذه الآونة نوعا من الرفاهية ولكن حقيقة الأمر أن هناك أبعادا كثيرة لا يدركها هؤلاء السادة المسئولون فإن استمرار التلكؤ في مواجهة فرش الباعة الجائلين سيجعل من المستحيل حل هذه المشكلة مستقبلا حيث يتحول هؤلاء الباعة إلي مراكز قوي اجرامية قادرة علي إحراج القيادات الأمنية ويصعب تفكيكها, ناهيك عن أن انتشار الباعة بهذه الصورة المخيفة يعوق حركة مرور السيارات ووسائل النقل العام مما يضاعف من استهلاك الوقود, ويضاف إلي ذلك أيضا أن التعايش بين أفراد الشرطة وتجمعات الباعة يوجد حالة من انعدام الثقة بين المواطن والدولة التي تعلن كل يوم عن ملاحقة المخالفين, سواء مخالفات البناء أو الباعة الجائلين ولكنها ملاحقات بطريقة أبو لمعة أيضا إلا أن أخطر ما تمثله مشكلة الباعة يتمثل في الإخلال بمفاهيم الشباب الذي يعاني البطالة حيث أصبح حلم أي شاب العمل في تجارة السلع المستوردة رخيصة الثمن بينما اهمل هؤلاء الانخراط في الحرف الفنية والمهنية واختاروا العمل في التجارة العشوائية! لمزيد من مقالات أحمد عصمت