إذا تولينا الحكم.. سنبقي الي الأبد! الهضيبي المرشد العام الأسبق للإخوان. لاشيء يعكس المدي المذهل الذي تغيرت فيه الأحوال في مصر خلال عام طويل ومشحون أكثر من صورة لوجه الرئيس السابق محمد مرسي أو ما بقي منها تطل من آلاف الملصقات المتروكة علي الجدران منذ معركة الانتخابات الرئاسية, بعد أن عبثت بها تقلبات السياسة وعوامل التعرية في شوارع القاهرة المتربة, لتمزقها بقسوة وتغطيها بعلامة(X) حمراء كأنما لتلخص الرأي في الرجل وفي عامه الوحيد في الرئاسة التي جاء إليها من السجن وخرج منها إلي السجن أيضا.. في تصاريف عجيبة للأقدار لابد أنها أدهشته بشدة مثلما استوقفت الكثيرين! ماذا جري؟ ولماذا يحاكم المصريون الآن نفس الشخص الذي أصبح أول رئيس مدني منتخب لبلدهم قبل16 شهرا فقط؟ الاجابة الفورية هي انه لابد أن ذلك كله كان مقدورا من اليوم الأول.. منذ قام الرئيس وجماعته بالدور الأكبر في سلسلة الأخطاء التي وضعت نهاية سريعة لحكم أول رئيس يتولي السلطة في أعقاب ثورة أثبتت عمليا أن فكرة رحيل الحاكم هي أمر وارد جدا! وربما لا يفوق دهشة الدكتور مرسي لتقلب الأحوال سوي امتنان مصر كلها لرحمة الله الذي لطف بها وانقذها من الاداء الخائب والصادم والمتآمر والمغرور لجماعة هي الأكثر تنظيما وتمرسا بالعمل السياسي تحت الأرض وفوقها علي مدي85 عاما.. إلي آخر القدرات والخبرات التي كان يجب ان تجعل الاخوان أكثر تعقلا وفهما لمتطلبات مسئولياتهم الجديدة ولتعقيدات الواقع الصعب لبلد في حالة فوران ثوري لا يهدأ. والأهم انه كان يفترض فيهم أن يستخدموا رصيدهم من الحكمة المتراكمة عبر سنوات من الصدام مع كل حكومات مصر, لكي يتعلموا من خطايا من سبقوهم. الا انه يبدو أن غواية التكويش هي التي أغرتهم بالتعجيل بخطة الأخونة وتهميش من عداهم وبالصدام المبكر مع كل من يحاول التصدي لطموحاتهم وفي المقدمة: الاعلام والقضاء والجيش والشرطة ثم الانشغال تماما بتصفية الحسابات مع الماضي بدلا من السير للأمام باتجاه مستقبل يتسع للكل. وفي ذلك كله فإنهم لم يدركوا بوضوح معني التفويض المحدود للغاية الذي خرجوا به من انتخابات الرئاسة. لكن الأسوأ أن خيارهم الأول كان هو التعامل مع مصر كغنيمة والتخطيط للسيطرة عليها إلي الأبد وما بعده إن أمكن! لهذا تحديدا, فإن موجة التفاؤل التي صاحبت الأشهر الأربعة الأولي لرئاسة مرسي( حتي من جانب عاصري الليمون الذين أعطوه أصواتهم علي مضض لأنهم لا يريدون البديل) سرعان ما تراجعت لتحل مكانها خيبة أمل بلا حدود أمام أمثلة متلاحقة لانعدام الكفاءة وضيق الأفق والقصور في الاداء والتخبط في صنع القرار والرغبة في تمكين العشيرة والعناد والعجز عن الحسم والتنكر للحلفاء وخنق الحريات ومعاقبة المرأة. وكانت البداية هي وعود ال100 يوم الأولي التي قطعها المرشح محمد مرسي علي نفسه بلا تدبر كاف, وفشل الرئيس في تحقيق أي منها. فلا الاستقرار عاد ولا الاقتصاد تطور ولا الأمن تحسن وطبعا ولا المرور أو النظافة أو الوقود أو الخبز( وكلها ملفات متعثرة وتتصدر هموم البلد حتي هذا الصباح).. ولاحقا جاءت الضربة التالية بإعلان نوفمبر الدستوري الذي حصن به الرئيس قراراته ليجعله هو شخصيا فوق كل السلطات.. ثم أشرف بنفسه علي تمرير دستور مسلوق وغير توافقي.. وهكذا, شهرا بعد شهر, بدا أن الفجوة بين خطط الاخوان وأحلام المصريين ستظل تتسع إلي ما لا نهاية. إلي الحد الذي عجل بثورة جديدة الثانية خلال أقل من3 أعوام توقف كل هذا التدهور وتضع حدا لأي مغامرات يمكن ان تأخذ البلاد الي مصير مجهول وتهدد بقاء الدولة نفسها. .. وربما لا نظلم الرئيس السابق كثيرا, لو أننا قلنا الان ان المنصب كان أكبر جدا من قدراته الشخصية ومن خبراته وتكوينه, وانه أيا كانت الوعود والنوايا لم يكن جاهزا في أي حال لمهمة بهذه الدقة ومرحلة بهذه الحساسية ولا مؤهلا لتحمل مسئولية بصعوبة قيادة بلد له تاريخ وتعقد وحجم مصر. ولا أريد أن أسيء لأحد لكن مشكلة الدكتور مرسي هي أنه كان الرجل غير المناسب في الوقت غير المناسب, وأنه في وقت كانت مصر تحتاج إلي شخص استثنائي جاءها شخص أقل من العادي. في المقابل يمكن جدا لأنصار الدكتور مرسي أن يقولوا بملء الفم أن اقصاءه أضاع علي الوطن فرصة غير عادية وأنه كان رئيسا بلا إخفاقات بل ويلتمسون له الأعذار لأن التراكمات كانت هائلة والظروف غير مواتية وأن يحتجوا حتي لأنه لم يتح له إكمال مدته إلي نهايتها برغم كل الشواهد التي تصرخ في الوجوه لتحذر من أن الرئيس كان يسير بالوطن في عكس الاتجاه. وسأتفهم تماما لو أن محبي الرئيس السابق يرون فيه ما لا نراه, كما أنني مستعد أيضا لأن أوافق علي أنه ليس عديم المزايا وأنه طيب ومتدين وفاضل, وكلها سمات تحمد له لكن ذلك كله وأي انجازات يعتبرون انها تحققت في عهده لم يكن كافيا لحل أي مشكلة في مصر. .. الآن وبعد اسبوع من بداية محاكمة الدكتور مرسي بتهمة التحريض علي قتل متظاهرين عند أسوار قصره سيكون في انتظاره علي الأرجح دعاوي أخري ليس أقلها تورطه في التخابر مع حماس وهروبه من السجن, وتفريطه في السيادة علي حلايب, وكلها اتهامات ثقيلة إذا ما ثبتت صحتها. لكن عندي حيثيات لتهمة أخري أخطر. تهمة غائبة ومنسية, لا أعرف لماذا لم يتوقف أحد عندها. وأتصور أنها التهمة الحقيقية التي يجب أن يحاكم مرسي من أجلها لتسببه بجملة سياساته وقراراته وسوء إدارته في إهدار عام كامل من عمر مصر ومن حياتنا. سنة بأكملها ضاعت منا دون أن نحقق حلما أو نتحرك إلي أمام. لا أعتقد أن هناك جريمة أكبر ومع ذلك فليس هناك بند واحد في كل القوانين يحاسب علي ذنوب من هذا النوع أو يعوضنا عما خسرناه. يبقي فقط أن أدعوكم إنصافا إلي توجيه الشكر وبصوت عال إلي الدكتور مرسي في محبسه, فلولاه لما خرج الشعب في30 يونيو ولما انكشف الاخوان علي يده بأكثر مما حلم به ألد أعدائهم.. وحدها هذه الحسنة يمكن ان تجعلنا نذكره بخير عندما ننظر إلي الوراء!. لمزيد من مقالات عاصم القرش