في استعراضه للاستراتيجية العسكرية الأمريكية للعقد المقبل ركز أوباما علي عدة رسائل لا تحتمل اللبس بشأن مفاهيم العمل العسكري وأولوياته وحدوده بالنسبة لقوة عظمي تحولت إلي عملاق جريح. من المهم فهم هذه الرسائل دون إغراق. في التفاؤل بشأن تضعضع هذه القوة أو المبالغة في حصانتها المتفردة وقدرتها علي مد مخالبها في كل ركن من أركان الكرة الأرضية. الرسالة الأولي هي أن الولاياتالمتحدة تعلمت الدرس ولن تتورط مستقبلا في حروب مثل تلك التي خاضتها في العراق وأفغانستان التي تستلزم تكثيف وجود قوات برية لفترات طويلة لمواجهة عمليات تمرد. هذا لا يعني طي صفحة الحروب بالكامل. فالولاياتالمتحدة ستظل تنفق علي قواتها أموالا تفوق ما تنفقه عشر دول مجتمعة تليها في حجم القوة, وستظل نشيطة في مواقع ساخنة لمواجهة الإرهاب في باكستان واليمن والصومال. ولكن التغيير هو في التعامل مع التهديدات الأمنية الجديدة بالتركيز علي القوة الجوية والصاروخية والعمل المخابراتي السري, وعمليات القوات الخاصة والوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الطائرات بدون طيار. التغيير في التكتيك سيقلل الحاجة إلي التسهيلات والقواعد الأرضية في مواقع تواجه فيها أخطارا مثل باكستان ومنطقة الخليج. الرسالة الثانية موجهة إلي أوروبا وفحواها أن الولاياتالمتحدة لم تعد تري فيما تواجهه القارة الأوروبية من أخطار أمنية تهديدا استراتيجيا لها. فروسيا قد تكون مشاغبة لكنها لا تمثل خطرا عسكريا, وأوروبا عليها أن تطور نظامها الأمني الجماعي من خلال حلف الأطلنطي أو من خارجه للتعامل مع الأخطار القادمة من الشرق الأوسط أو وسط آسيا, وإذا تقاعست أطراف أوروبية عن ذلك فستكون هذه مشكلة أوروبية وليست أمريكية. الرسالة الثالثة هي أن مفهوم الاستعداد لخوض حربين بريين كبيرين في مسرحين متباعدين جغرافيا الذي ساد طيلة الحرب الباردة واستمر بعد هجمات سبتمبر سيتم استبداله بالتركيز علي مسرح عمليات واحد هو مواجهة القوة الصينية العسكرية المتصاعدة وتأمين الحلفاء الآسيويين, واستخدام كل الوسائل الدبلوماسية الدولية العقابية لتقليص الحاجة إلي مواجهة تهديدات أخري مثل التهديد الإيراني لمضيق هرمز. الرسالة الرابعة هي انتهاء حصانة الإنفاق العسكري من ضرورات الخفض. ولكن التركيز الأساسي سيكون علي خفض عدد القوات البرية والجوية ومشاة البحرية, وإلغاء برامج الانفاق علي مدرعات الحرب الباردة. أما ما سيظل مقدسا فهو الإنفاق علي قوة الردع النووي وحاملات الطائرات والغواصات النووية وتطوير القدرات الصاروخية. الرسالة الأخيرة هي أننا أمام عملاق جريح هزمته أزمته المالية لكن من الخطر الاستهزاء بقوة مخالبه. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني