منذ نهاية الاحتلال الأجنبي لمصر لم نسمع عن مظاهرات في جامعة الأزهر, وعلي مدي تاريخ جامعة الأزهر لم نشاهد طلابا يقومون بتخريب جامعتهم, وفي كل الأحوال.. لم نر في تاريخنا الحديث, علي الأقل, حصارا من العلماء لمكتب شيخ الأزهر, أو وقفات احتجاجية للدعاة من خريجي الأزهر أمام وزارة الأوقاف, كما لم يكن التنابز بالألقاب, أبدا, من شيم علماء, أو خطباء الأزهر. إذن.. ماذا حدث للأزهر, وطلاب الأزهر, وعلماء الأزهر؟, نعم, نحن في مرحلة انفلات, في كل شيء, وأي شيء, إلا أنه من المفترض أن علماء وطلاب الأزهر هم المعنيون بالدرجة الأولي بتقويم ذلك الانفلات, أو هم الأكثر صلاحية لهذه المهمة, لكن العكس هو الذي حدث, البلاد تأخذ طريقها إلي التهدئة, وطلاب الأزهر هم الأكثر انفلاتا! هل يصدق أحد في المستقبل أن طلاب الأزهر في سالف العصر والزمان قاموا بتخريب جامعتهم, وتدمير محتوياتها؟, أو أنهم سعوا إلي تعطيل الدراسة بها؟, أو أنهم خرجوا من الجامعة لقطع الطرق القريبة من الجامعة؟, وهل يصدق أحد في المستقبل أن إدارة جامعة الأزهر لم تستطع مقاومة الطلاب, فاستعانت بالأمن لحمايتها وتحرير رئيس الجامعة من قبضتهم؟, وهل يصدق أحد, الآن, أن طلاب جامعة الأزهر استعانوا ببلطجية من خارجها لتحقيق أهدافهم في التخريب والتدمير؟! نحن أمام فاجعة, أبطالها الحقيقيون هم مجموعة من علماء الأزهر, الذين تطاولوا علي شيخهم, يوما ما, فكانت هذه هي النتيجة, ونحن أمام طامة كبري, كان وقودها الدعاة من خريجي الأزهر, الذين حاصروا مقر وزارة الأوقاف لطرح قضاياهم, ونحن أمام حقيقة مفزعة, وهي أن من كانوا القدوة الحسنة للمجتمع, يوما ما, أصبحوا أو بعضهم دعاة فتنة أحيانا, ويفعلون فعل البلطجية أحيانا أخري. رحم الله زمانا كان يتغني فيه الشعراء: قم في فم الدنيا وحي الأزهرا.. وانثر علي سمع الزمان الجوهرا.. ورحم الله زمانا كان للعمامة هيبتها, وللقفطان جلاله.. ورحم الله زمانا كان لأستاذ الأزهر مكانته, ولعالم الأزهر إطلالته.. ورحم الله زمانا كان لحرم الأزهر قدسيته, وللالتحاق بالأزهر أفضليته. أما حينما تخلي الأزهر عن دوره, المنوط به في التنوير والتثقيف, وحينما تخلي علماء الأزهر عن دورهم المسند إليهم في نشر الفضيلة, واتجهوا إلي الفضائيات, كنجوم هوليوود, بملابس الكاجوال تارة, والرأس المزركش تارة أخري, فكان من الطبيعي أن ينفر طلابهم, بل مشاهدوهم ومستمعوهم إلي التكفيريين أحيانا, وإلي مدعي الاجتهاد في معظم الأحيان. تقويم أوضاع الأزهر, أيها السادة, يبدأ من النشء, ولا ينتهي عند التخرج, فلم يكن الأزهر, يوما ما, إلا وسطيا بعلومه الشرعية علي المذاهب الأربعة, ولم يكن الأزهر, يوما ما, موغلا في التطرف, أو التشدد, وبالتالي لم يكن أبدا ساحة من ساحات العنف في المجتمع, أو أداة للصراعات السياسية الدائرة, فلم يعمل طلابه لحساب فصيل سياسي, ولم يجنح علماؤه لأي توجه أيديولوجي, بمنأي عن مقررات الدراسة, بل كان دائما وأبدا مظلة للتقريب بين المذاهب, وعلامة بارزة في حوار الأديان. هي رسالة نوجهها إلي القوي السياسية في بر مصر: ارفعوا أيديكم عن الأزهر.. وإلي أولياء أمور الطلاب: لا تدعوا أبناءكم فريسة للمتشددين والمتطرفين.. وإلي علماء الأزهر: كونوا قدوة حسنة يرحمكم الله.. وإلي أساتذة الأزهر: مسئوليتكم كبيرة في هذه المرحلة, ويجب ألا تدعوها تخرج من بين أيديكم.. وإلي إدارة الأزهر: انتقاء الطلاب منذ البداية أولوية قصوي.. وإلي شيخ الجامع الأزهر: دراسة الحالة من أول السطر, وليس بالقفز علي النتائج. وتجدر الإشارة, هنا, إلي أننا قد حذرنا مرارا, وتكرارا, من استمرار هذه الأوضاع بالجامعات ككل, وطالبنا في الوقت نفسه بحظر التظاهر داخل الحرم الجامعي لأي سبب كان, وناشدنا أيضا المسئولين منح إدارة كل جامعة الفرصة كاملة في التعامل مع الحالة التي لديها بالطريقة التي تتناسب مع حجم الحدث, دون رقيب أو حسيب, وذلك لأن نتيجة الانفلات في الحرم الجامعي غير محمودة العواقب في كل الأحوال, وكانت نتيجة التباطؤ في التعامل مع هذه الأوضاع هي ما نحن فيه الآن, ودخول الأمن الحرم الجامعي مجبرا لتحرير رئيس الجامعة, ولكن من سيتحمل مسئولية عمليات التخريب, وتكلفة الإصلاح؟ هو نداء إلي المسئولين بالتحرك لمواجهة الموقف في كل الجامعات بقرارات حاسمة قبل فوات الأوان, فهناك أغلبية من الطلاب تذهب إلي الجامعة بهدف الدراسة والتعلم, ونخشي أن يصبحوا ضحايا للأقلية التي أرادت لهم الفشل, بتعطيل الدراسة, أو إغلاق الجامعات! لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة