حاولت الولاياتالمتحدة احتواء بركان الغضب العالمي من تداعيات فضيحة التجسس, وأعلنت عن إعادة تقييم لعمليات وكالات المخابرات الأمريكية, وسط أزمة ثقة مع الحلفاء الأوروبيين الذين استهدفهم تجسس الولاياتالمتحدة, وذلك في الوقت الذي كشف فيه مسئول بالإدارة الأمريكية عن أن واشنطن تبحث إنهاء عمليات التجسس علي الدول الصديقة, لكنها لم تتوصل إلي قرار نهائي حتي الآن. ومن جانبه, اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه خلال السنوات الأخيرة اتسعت قدرات وكالات المخابرات وتطورت بالرغم من أنها تتلقي تعليمات. وأضاف أنه لهذا السبب أطلقت إعادة تقييم( لهذه العمليات) لأتأكد من ألا يصبح ما يستطيعون القيام به هو ما ينبغي أن يقوموا به. وفي مقابلة مع قناة فيوجن التليفزيونية الجديدة التابعة لمجموعة أيه بي سي, رفض أوباما في المقابل التعليق علي التنصت علي الهاتف النقال للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل, مرجعا ذلك إلي أسباب تتصل بالأمن القومي. وفي إطار متصل, أعلن البيت الابيض أن عمليات المخابرات ينبغي قبل كل شيء أن تهدف إلي حماية أمن الأمريكيين. ونفي جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض أن تكون واشنطن لجأت إلي هذه الوسائل لأسباب اقتصادية, رافضا أيضا التعليق علي معلومات صحفية مفادها أن الرئيس الأمريكي كان يجهل أن بلاده تجسست علي الهاتف الشخصي للمستشارة الالمانية. جاء ذلك في الوقت الذي أعلنت الديمقراطية دايان فينشتاين رئيسة لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأمريكي أنها ترفض بشدة التجسس علي قادة دول حليفة للولايات المتحدة, مؤكدة أنها ستطلق عملية إعادة تقييم كبيرة لعمليات التجسس الأمريكية. وقالت إنه يبدو لي بوضوح أن بعض أنشطة المراقبة تمت ممارستها لأكثر من عشرة أعوام من دون إبلاغ لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ, مضيفة أن الكونجرس يحتاج إلي أن يعرف بالضبط ما تقوم به وكالات المخابرات لدينا.وأعربت فينشتاين عن رفضها للتجسس علي قادة دول حليفة للولايات المتحدة, بينها فرنسا واسبانيا والمكسيك والمانيا. وأضافت أنه علي الولاياتالمتحدة عدم جمع معلومات عن الاتصالات الهاتفية أو الرسائل الالكترونية للرؤساء أو رؤساء حكومات الدول الصديقة إلا إذا كانت واشنطن تخوض نزاعا مع بلد معين أو إذا كان ثمة حاجة ملحة لهذا النوع من المراقبة. وأشارت إلي أن المعلومات تؤكد أنه لم يتم إبلاغ الرئيس أوباما بجمع الاتصالات التي تجريها المستشارة الألمانية منذ.2002 وتعليقا علي تصريحات فينشتاين, أكد البيت الأبيض أنه علي تواصل دائم معها. لكن كايتلين هايدن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي رفضت الخوض في تفاصيل المناقشات الخاصة أو التعليق علي تأكيدات رئيسة لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ. من جانبه, طالب جلين جرينوالد الصحفي الذي ساهم في نشر معلومات عن فضيحة التجسس في مقابلة مع التليفزيون الألماني بحماية إدوارد سنودين المتعاقد السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي, معتبرا أنه يتعرض ل اضطهاد سياسي. وفي تطور أخر, ذكرت صحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية أن الولاياتالمتحدةتقوم بالتنصت أيضا علي إسرائيل. وأضافت الصحيفة الأسبوعية أنه ما من دولة حليفة مقربة جدا من واشنطن بمنأي عن عمليات التنصت التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية, مشيرة إلي أن إسرائيل كما المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والدبلوماسيين الفرنسيين كانوا هدفا لتلك العمليات. ونقلت الصحيفة الفرنسية عن داني ياتوم الرئيس السابق للموساد قوله إنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالحهم, فإن الأمريكيين لا يحترمون أحدا, مشيرا إلي أن الأمريكيين عندما يرغبون في معرفة معلومات فإنهم لا يترددون في استخدام جميع الوسائل. وأضاف المسئول الإسرائيلي السابق أنه يتم رصد قادة إسرائيل عن كثب منذ عدة سنوات. وأضافت أنه من المفارقات أن عمليات التجسس تلك لا تمنع التعاون الوثيق بين واشنطن وتل أبيب, مشيرة إلي أنه ووفقا لوثائق سرية كشف عنها في سبتمبر الماضي, فإن وكالة الأمن القومي الأمريكية التي تدير مليارات المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني المتبادلة حول العالم, تتعاون مع المخابرات الإسرائيلية من خلال توفير وصول الأخيرة إلي اعتراض بعض البريد الإلكتروني والمحادثات الهاتفية تلك. وفي هذه الأثناء, كشفت صحيفة لوموند الفرنسية عن أن باكستان وإيران والصين تعد الدول الأكثر تعرضا لعمليات التنصت التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكي. وذكرت الصحيفة التي نشرت خريطة توضح الدول التي تتجسس عليها الولاياتالمتحدة من خلال استخباراتها- أن الصحفي الأمريكي جلين جرينوالد المقيم بالبرازيل ساهم في الوصول إلي بعض الوثائق التي كشف عنها ضابط وكالة الامن القومي السابق سنودين, وبالتالي نجحت عدد من الصحف حول العالم ومن بينها لوموند في إكتشاف عمليات تنصت الوكالة الأمريكية علي البعثات الدبلوماسية الفرنسية في كل من واشنطن ونيويورك. وأشارت لوموند إلي أن فرنسا ليست وحدها التي خضعت للتنصت الأمريكي, ولكن إنطلاقا من الهند مرورا بإيطاليا والبرازيل فألمانيا, فإن إتصالات المواطنين البسطاء وكذلك بعض كبار رجال الأعمال والسياسيين في مستويات مختلفة, كانوا هدفا للمراقبة الأمريكية. كما كشفت لوموند عن الشركات الفرنسية التي ساعدت الطغاة لاسيما في ليبيا وسوريا علي عمليات التنصت والتجسس, مشيرة إلي أن شركتي كوزموس وأميسيز( فرنسا) قامتا ببيع أنظمة مراقبة علي شبكة المعلومات الانترنت لكل من طرابلس ودمشق. وأضافت الصحيفة انه وفي الواقع فإن الفرنسيين هم من قاموا بتركيب نظام التجسس في ليبيا مع إحدي الشركات التابعة لبوينج ناروس, والصينية زي تي اي كورب, بالاضافة إلي شركة في أس تك من جنوب إفريقيا. علي صعيد متصل, يعقد البرلمان الالماني جلسة خاصة لمناقشة التجسس علي ميركل وطالبت الأحزاب اليسارية بإجراء تحقيق علني يستدعي شهودا من بينهم سنودين وميركل.