لا يزال حادث هجرة الرسول, صلي الله عليه وسلم, من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة, نتعلم من دروسه الكثير, ولقد أعطت الهجرة الشريفة درسا في تعلم الأجيال حب الأوطان, والانتماء له والدفاع عنه, بكل غال ونفيس. وأكد علماء الدين أن حب الأوطان فريضة علي الجميع, وانه من الركائز الأساسية في الإسلام, وشددوا علي ضرورة الاستفادة من دروس الهجرة, في حب الوطن, بما يمكن الجميع من مواجهة الفتن التي تحيق ببلادنا, من تخريب في عقول الشباب بأفكار هدامة, والضرب بيد من حديد علي كل من يعتدي علي مؤسسات الوطن سواء عن طريق التخريب أو القتل وترويع الآمنين. ويقول الدكتور نبيل السمالوطي, أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر, إن حب الوطن والوطنية والمواطنة, جزء أساسي ومهم في الدين الإسلامي, كعقيدة وشريعة وأخلاق وحضارة, وهذه هي الجوانب الأربعة الأساسية في الدين الحنيف, وذلك علي عكس ما يدعيه البعض من المتأسلمين الذين ينكرون أهمية الوطن والمواطنة, بزعم أن الدين الإسلامي ضد هذه المسميات, وهذا كذب وافتراء. وأشار إلي أن الهجرة الشريفة تعتبر أهم حدث في تاريخ الإسلام بعد نزول الوحي بالرسالة الخاتمة علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, لأن الهجرة هي التي أدت إلي بناء الدولة الإسلامية, وحققت الانتشار الواسع والانطلاق للدعوة الإسلامية ليس في الجزيرة العربية وحدها ولكن في جميع أنحاء العالم, موضحا أن الهجرة المباركة يمكن أن نتعلم منها الدروس في مجال العقيدة والأخلاق والقيم والعبادات والمعاملات, وكذلك في مجال حب الوطن والارتباط به, والدفاع عن ارضه ومقدساته ضد اي خطر يتعرض له, والولاء له بعد الولاء لله الخالق سبحانه وتعالي. نموذج للأجيال وأكد الدكتور السمالوطي, أن حب الوطن وتحقيق المواطنة بين جميع أفراد المجتمع هو أهم ما يمكن أن نتعلمه من الهجرة النبوية, فالرسول, صلي الله عليه وسلم, حينما أجبر علي الهجرة من مكةالمكرمة المحببة إلي قلبه, إلي المدينةالمنورة- وكان اسمها يثرب قبل الهجرة- لأنه لم يلق آذانا صاغية, ولم يمكن من نشر الدعوة فيها, فأيقن أن مكة بوضعها الحالي لم تعد تصلح لنشر الدعوة الإسلامية, حيث مكث بها نحو ثلاث عشرة سنة, فلم يستجب له إلا القليل, وبعدما أذن له الله تعالي في الهجرة من مكة إلي المدينة, كان عليه الصلاة والسلام في غاية السعادة وفي الوقت نفسه كان في غاية الحزن, كان سعيدا, عليه الصلاة والسلام, لأنه سينطلق بالدعوة من ضيق الأفق والعنت الذي لقيه وصحابته الكرام من مشركي وصناديد قريش, إلي سعة العالم وتحقيق هدف الدعوة الإسلامية في كل أنحاء العالم, أما حزنه عليه الصلاة والسلام, فكان بسبب مفارقته بلده ووطنه الذي تربي فيه ونشأ في كنف البيت الحرام, ومسقط رأسه, ومكان الميلاد ومكان أول نزول الوحي. وأوضح أن الرسول صلي الله عليه وسلم, حينما خرج من مكةالمكرمة مهاجرا إلي المدينةالمنورة, تكلم بحديث وكلمات خاطب بها مكة محبوبته, ستظل هذه الكلمات عنوانا ونبراسا ودليلا وشاهدا ومضرب المثل علي حب الأوطان, مهما تكن الظروف والأحداث التي يلاقيها الإنسان في بلده, حيث قال عليه الصلاة والسلام والله إني لأعلم انك أحب بلاد الله إلي الله وأحب البلاد إلي قلبي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت, وقد سجل القرآن الكريم ذلك في سورة الإسراء, حيث قال الله تعالي وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. خطوات عملية وفي سياق متصل, يوضح الدكتور عطية مصطفي, أستاذ الثقافة والدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر, أن الوطنية وحب الوطن والانتماء له والدفاع عن ترابه ومقدساته, ليست شعارات ترفع وكلمات وأغاني تردد, ولكن هي فريضة في إيمان وعقيدة الإنسان يترجمها إلي أفعال وسلوكيات تؤتي ثمارها في المجتمع, مشيرا إلي أن الرسول, صلي الله عليه وسلم, حينما هاجر إلي المدينةالمنورة, قام بعدة خطوات عملية مهمة لإنشاء وطن يسكن في قلب كل من يعيش تحت ظلاله, حيث جاء عليه الصلاة والسلام إلي المدينةالمنورة ليس غازيا ولا مستعمرا ولا فاتحا, إنما أتي إليها برغبة أهلها الذين قابلوه حبا بحب وودا بود, وسبق ذلك مقابلات ومبايعات بين الرسول, صلي الله عليه وسلم, ومجموعة من الرجال والنساء الذين دخلوا إلي الإسلام قبل الهجرة. وأشار إلي أن الرسول صلي الله عليه وسلم, بدأ في بناء أول وطن في الإسلام, بناه علي التآلف والمحبة والعدالة الاجتماعية, والمساواة الكاملة, بين كل أبناء الوطن من مسلمين وغير مسلمين, ووضع عليه الصلاة والسلام مبدأ المواطنة, وهي في معناها البسيط, القوي في التأثير والنتيجة, حق جميع أبناء وأفراد المدينة من مختلف جنسياتهم وألوانهم وعقيدتهم ودينهم في الحريات والحقوق الإنسانية والواجبات, وأيضا العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, وهذه المفاهيم-كما نري- مطالب جميع الثورات التي قامت في دول الربيع العربي, وتحاول كل الحكومات تحقيقها حاليا. ولترسيخ مفهوم حب الوطن وتحقيق معني المواطنة, شيد الرسول صلي الله عليه وسلم, أول مسجد في الإسلام, وهو ما يعني بناء مؤسسات الدولة, لان المسجد كان في عهد النبي صلي الله عليه وسلم, مؤسسة للعبادة والتربية والتعليم, واتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, والعسكرية في حالة الحرب, والدفاع عن المدينة, كما قام عليه الصلاة والسلام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار, وأيضا قام بالصلح بين قبيلتي الأوس والخزرج بعد حروب ثأرية قامت بينهما لسنوات طويلة, وابرم وثيقة المدينة بين المسلمين ونحو ثلاث عشرة قبيلة من اليهود وغيرهم من أصحاب المعتقدات الأخري, علي أن يكون للجميع الحق في حرية العبادة والرأي والتعبير والعقيدة, وحرية المشاركة السياسية والاقتصادية, مع عدم الاعتداء علي اي من أبناء هذا الوطن والمشاركة في الدفاع عنه ضد أي اعتداء من الخارج. وطالب وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات الدينية والتربوية والعلماء ورجال الفكر بأن ينهضوا برسالتهم في توعية المجتمع بالمخاطر التي تحاك ضده حتي تعبر البلاد من أزمتها ويتحقق الأمن والخير للجميع.