علي الرغم من التسريبات العديدة التي تتحدث عن تعثر أو ربما فشل المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مجددا, فإن الإدارة الأمريكية ما زالت علي إصرارها بأن فرص تحقيق السلام لم تنفد بعد. لذا كانت الجولة الأوروبية التي قام بها جون كيري وزير الخارجية الأمريكيية خلال الأيام القليلة الماضية تصب في اتجاه إعطاء دفعة جديدة للمفاوضات. والتقي كيري خلال جولته في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا عددا من المسئولين الفلسطينيين والعرب, وممثلي لجنة جامعة الدول العربية المكلفة بمتابعة مبادرة السلام العربية, بالإضافة إلي بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وبحث مع جميع الأطراف سبل إنقاذ المفاوضات الجارية حول قضايا الوضع النهائي, إلا أن الواقع يشير إلي اصطدام المفاوضات بالصلف الإسرائيلي, حيث يصر المفاوض الإسرائيلي علي معالجة جميع الملفات من منظور أمني بما في ذلك ملفات القضايا الجوهرية, حيث تدعي إسرائيل بأن ضم الكتل الاستيطانية الرئيسية لا غني عنه لضمان الأمن الإسرائيلي, وكذلك ضم القدسالشرقية, وإبقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية علي منطقة غور الأردن, علي امتداد الحدود الأردنية مع الضفة الفلسطينية, والسيطرة علي كامل الجهة الغربية للبحر الميت, وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح, وأن تبقي الأجواء الفلسطينية والمياه الإقليمية لقطاع غزة مفتوحة أمام الطائرات والسفن الحربية الإسرائيلية, ومنع الدولة الفلسطينية من توقيع أي اتفاقيات أو معاهدات تتعارض علي نحو أو آخر مع المصالح الإسرائيلية. في حين يعارض الفلسطينيون بشكل مطلق المطلب الإسرائيلي المتعلق بنشر جيش الاحتلال في منطقة غور الأردن بصفة دائمة لكونه يمس بجوهر الدولة الفلسطينية, والجانب الإسرائيلي يبدو غير مستعد للقبول بطرح بديل ويعارض وضع قوي دولية علي الأرض حتي ولو كانت قوات أمريكية أو من حلف الناتو, كذلك رفض الوفد الفلسطيني بشدة أن تستأجر إسرائيل أراضي من غور الأردن لعشرات السنين علي غرار ما حدث مع الأردن في إطار اتفاق' وادي عربة' للسلام عام1994 وليس7 سنوات كما اقترح الجانب الأمريكي, كما أن الفلسطينيين طالبوا إسرائيل برسم خريطة محددة المعالم للدولة الفلسطينية المنتظرة لكنطلبهم ووجه بالرفض قبل انتهاء النقاش في القضايا الأمنية وفق الرؤية الإسرائيلية, كما طالب الفلسطينيون بدولة يستطيعون التحكم في حدودها وليس دولة لا ترقي لمستوي الحكم الذاتي, ومطار وميناء خاصين بهما دون إشراف أو تحكم إسرائيلي. وكان من المفترض أن تتناول المحادثات الجارية قضايا الوضع النهائي: الحدود والمستوطنات والقدس وحق العودة وغيرها, لكن مسألة الحدود احتلت حتي الآن الحيز الأكبر من النقاشات, وشكلت دليلا علي عمق المشكلات, وهو ما دخلت معه المفاوضات نفقا مظلما. ولا يقل ملف وضع القدس أهمية عن قضية الحدود, بل إنه يعد من أكثر الملفات والقضايا الشائكة في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية, وأخيرا ازداد الأمر تعقيدا حينما أعلنت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشئون التشريع مصادقتها منذ أيام وأثناء سير المفاوضات الجارية علي مشروع قانون ينص علي وجوب موافقة80 عضوا من مجموع أعضاء الكنيست البالغ عددهم120 عضوا علي الأقل لأي حل وسط يقضي بالتنازل عن أراضي في القدس. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة أنه تأجل التصويت علي مشروع القانون في الكنيست بسبب اعتراض تسيبي ليفني وزيرة العدل ورئيسة وفد التفاوض مما يعني أن المشروع سيعرض علي مجلس الوزراء وهو ما يقلل بشكل كبير من فرص المصادقة عليه, وحذرت ليفني من تعثر عملية السلام لأن ذلك قد يؤدي لقيام دولة فلسطينية بشروط غير مواتية لإسرائيل. وحذر يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي' الشين بيت' من مغبة تزايد الإحباط في الشارع الفلسطيني الذي يشعر أن أرضه سرقت منه مما قد يؤدي إلي اندلاع انتفاضة جديدة حال فشل المفاوضات, لافتا إلي أنه لا يري بوادر واقعية تمهد لتوقيع اتفاقية سلام في ظل المناخ السياسي الإسرائيلي الحالي, أما علي الجانب الفلسطيني فإن تدخل الجانب المصري في عملية السلام سيمنح الرئيس محمود عباس النفوذ والشرعية اللذين يحتاجهما أمام المجتمع الغربي لتمكينه من اتخاذ قرارات سياسية ودبلوماسية ملموسة.