في ظل التصعيد الإسرائيلي الخطير والمتتالي في القدس أكثر بقاع الشرق الأوسط حساسية قد تغيب عن الأذهان بعض الحقائق والجزئيات التي نري أنه من الواجب علينا الربط بينها والتحذير منها توصيفا للمشهد الراهن واستشرافا فمصر بشكل خاص فرقت دوما بين الديانة اليهودية وبين الصهيونية العنصرية الاستعمارية, بل وحافظ علي معابد يهود مصر ورممتها باستمرار, لكن الوضع مختلف بالنسبة لمعبد حوربا( الخراب) فهو يقع في قلب القدس القديمة, وعلي بعد عشرات الأمتار فقط من الحرم القدسي. وهو مرتبط في الأذهان بخرافة تلازم توقيت تشييده مع هدم للأقصي, ولانبالغ إذا قلنا إن تثبيت المزوزا( أسطوانة دقيقة تحتوي علي صلاة توراتية) علي باب معبد حوربا إيذانا بافتتاحه, أدخلنا لمرحلة جديدة علي خلفية تكشف حلقات المؤامرات الصهيونية ضد الحرم القدسي بشكل متوال. فلا يمكن فصل الخطوة الاستفزازاية الإسرائيلية الأخيرة عن محاولات متطرفين إسرائيليين اقتحام الحرم, والحفائر الإسرايلية المستمرة تحت الحرم. أيضا لايمكن تجاهل أن افتتاح المعبد جاء بعد أيام من إعلان الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة عن خطتها لتشييد آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس, رغم احتجاج الإدارة الأمريكية! ومواكبا لإقرار الكنيست في قراءة أولي مشروع, قانون النكبة, والذي ينص علي معاقبة كل من يشير إلي ذكري قيام الدولة الصهيونية علي أنها نكبة فلسطين, وقبل ذلك ضم الحرم الإبراهيمي للتراث اليهودي. الانتهاكات الإسرائيلية المتتالية للمقدسات يمكن تفسيرها بمخطط شامل تسعي لتحقيقه حكومة نيتانياهو بأقصي سرعة بالتنسيق مع جماعات يهودية إرهابية, رغبة في تغيير التركيبة السكانية للقدس بشكل خاص وأراضي ال48 بشكل عام في ظل دراسات تؤكد تحول اليهود لأقلية في فلسطين بعد بضع سنوات فقط, والرد المنشود علي مخططات الحكومة الإسرائيلية يتمثل في ضرورة التحرك للتذكير مجددا بقرار لعصبة الأمم( بعد التحقيق من قبل لجنة دولية تتكون من دول مسيحية) بأن حائط البراق( حائط المبكي) والرصيف الموازي والساحة الخارجية المقابلة, بل وحي المغاربة القريب هي آثار إسلامية خالصة وتابعة مباشرة للأوقاف الإسلامية. وتوضيحنا موقف الديانة اليهودية الرافضة للصهيونية من الحرم القدسي يتمثل في رفضهم للاقتراب من الحرم, وإدانة الممارسات الصهيونية ضده مطلوب. مع ملاحظة أن موقف الصهيونية نفسها وعتاة الصهيونية وعلي رأسهم هرتسل كان واضحا, حيث كانوا يقبلون وطنا في أوغندا, إلي أن أطلق أحد اليهود المتعصبين النارعلي نائبه ماكس نوردو, صائحا يسقط الأفارقة. بعدها فقط قال هرسل في افتتاح المؤتمر الثاني للصهيونية: أنا متمسك بصهيون والقدس. علينا أن نوضح للرأي العام العالمي مجددا حرص بعض التيارات الدينية اليهودية المتشددة( الحريدية) وعلي رأسها نطوري كارتا علي عدم زيارة حائط المبكي في القدس لأنه من وجهة نظرهم محتل من قبل الصهاينة العلمانيين! حيث يؤكد أنصار نطوري كارتا أن اليهودي المتدين يتجه بعواطفه وقلبه لهذه الأرض( صهيون) وخصوصا مدينة القدس, فهم يذكرونها في صلواتهم عدة مرات كل يوم, ولكن هذه الصلوات لا علاقة لها بالصهيونية أو بفكرة العودة الصهيونية. وإذا كانت هناك جماعات تتحرك تحت الأرض أو بشكل فردي لهدم الأقصي أو النيل منه وتدنيسه فإن مكامن الخطر تتعاظم بتفعيل هيئة تنمية الحي اليهودي في القدس القديمة لتلك المخططات علي الرغم من أنها هيئة حكومية رسمية. وهي التي اختارت هذا التوقيت لافتتاح معبد الخراب( حوربا)بعد7 سنوات من التردد والتخوف. وبشكل مواز توجد علي الأقل عشر جماعات مختلفة لتغيير الوضع الراهن ستاوس كو في الحرم, أخطرها معهد المعبد برئاسة الحاخام يسرائيل اريئيل المتهم بالبحث وبإعادة تشييد نماذج لأدوات المعبد. حركة إقامة المعبد برئاسة الحاخاميوسف الفويم, بجانب جماعة أمناء أرض إسرائيل برئاسة جرشون سولومون. ويجب الالتفات جيدا إلي أن للقدس القديمة أيضا قداسة مسيحية ستتضرر من العنصرية الإسرائيلية والشطط الصهيوني فهي تضم كنيسة القيامة وقبر السيد المسيح عليه السلام. مع الاستناد في هذا الإطار إلي أن القانون الإسرائيلي وتحديدا مايطلق عليه قانون القدس قد نص أنه بالنسبة للأماكن الدينية الاسلامية والمسيحية ستصان من التدنيس أو أي مساس بها من أي شكل, ومن أي شئ من شأنه أن يمس بحرية الوصول لأبناء الديانات إلي الأماكن المقدسة, أو بمشاعرهم نحو هذه الأماكن. وهو مالم تلتزم به إسرائيل بالطبع ودير السلطان وما تعرضت له كنيسة القيامة وحريق الأقصي ومنع المصلين من دخوله خير شاهد علي هذا. لقد تبين لنا بعد دراسة علمية لكاتب هذه السطور أن القوي المتشددة في إسرائيل تركز عند معالجة قضية القدس علي: ضرورة تهويد القدس بتشجيع الاستيطان فيها واختراق حتي الحي الإسلامي, ورفض البناء للفلسطينيين, حتي لأبناء المقيمين بالقدس. ومساندة كل من يؤيد أو يدعم الاستيطان في القدس. الترويج لضرورة اقتحام الحرم القدسي بحجة أداء الصلوات داخله. وضرورة دخول اليهود للحرم القدسي لنزع مظاهر السيادة أو حتي الحكم الذاتي الفلسطيني عنه. فكيف يكون الرد؟ مطلوب تحرك واضح وعملي وملموس من جامعة الدول العربية و لجنة القدس لتنسق الجهود لخطوات عملية توقف الخطر الداهم, وحشد الرأي العام العالمي المسيحي معنا للدفاع عن الرمز الإسلامي, وتوضيح مكامن الخطورة والعنصرية التي تعانيها وستعانيها البقاع المسيحية المقدسة أيضا. فإذا لم تتحرك الآن فمتي ستتحرك؟ مطلوب سعي جاد للضغط علي الحكومة الإسرائيلية الحالية بعد أن فاض الكيل من ممارساتها وسياسة حافة الهاوية التي تتبعها في المنطقة منذ وصولها لسدة الحكم, علي أن تتولي كتيبة من تخصصات شتي العمل في صمت لبلورة خطوات سياسية واقتصادية وقانونية وإعلامية من شأنها للتأثير علي الحكومة الحالية في إسرائيل دفاعا عن القدس وتجنبا لدوائر لاتنتهي من العنف. المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور