بلغة شاعرية وطوفان من الأساطير والقصص والأمثال الفلكلورية والصلوات المسيحية التراثية تأتي رواية جومر للكاتب روبير الفارس لتقدم تشريحا دقيقا لشخصية القبطية بكل معاناتها وإرثها الثقيل المستند إلي تراث يتحفظ الكاتب عليه ويرفض الكثير منه. مفضلا وضع عبارة كعنوان فرعي للرواية جريمة في دير الراهبات.. شروخ في جدران قبطية قديمة..لمن أراد أن يفهم..فعلي القارئ إذن أن يتتبع تلك الشروخ إذا ما أراد أن يفهم الشخصية القبطية بكل معاناتها وعذاباتها كما تعكس الرواية ما تحمله تلك الشخصية من ثراء حضاري ومكونات تراثية تعد خامة ثرية للإبداع الأدبي بمختلف أشكاله. الرواية تناقش موروثات قديمة, وعلي من يريد أن يفهم بعض التصرفات القبطية أن يتعرف علي هذه الموروثات, وبالفعل تتعرض الرواية للشروخ المحركة لنفسية القبطي المعاصر, والتي توارثها من تاريخ طويل. وقد تضمنت حلقات مريرة من الاضطهاد والأوجاع كان أكثرها شراسة الاضطهاد الروماني للأقباط فيما عرف في التاريخ القبطي بعصور الشهداء, ويتميز روبير بأنه يكتب من الداخل, أي أنه ملم بشكل جيد بالتاريخ والموروث الشعبي, فتظهر انعكاساته علي السياق الدرامي والشخوص, وبذلك يشكل في النهاية عالما مدهشا يجمع في خيط واحد بين الواقعية والخيال السحري ببساطة وعمق. وقد اختار الكاتب أن يغرس قلمه بين شروخ وجروح التكوين الثقافي والروحي لشخصيات قبطية تئن من حمل تراث كبير ومتراكم يجمع بين الخيال النسكي و النصائح الروحية; الأمر الذي يعرقل مسيرتهم في الحياة المعاصرة, حيث يأتي ذلك من خلال شخصية جومر- الاسم مستوحي من سفر هوشع بالعهد القديم- ويعني حرفيا امرأة من النار, والتي تولد لأم بائعة صور في منطقة السبع كنائس( محطة مارجرجس بمصر القديمة) بكل ما يحمله المكان من موجودات تترك أثرا نفسيا وروحيا دفينا للمتابع لها, أما الأب فهو نازح من الصعيد هربا من الفقر والحر. هذه الأسرة البسيطة والتي تضم بين أعضائها شقيقتها مريم والأخ الأصغر يوسف تواجه إلي جانب مشقة الحياة مشقة أخري قاسية وهي جمال جومر الذي يجلب لهم المصائب, وتلجأ الأم إلي مارجرجس لتكون جومر في حمايته ويلعب الكاتب علي المزج بين القصص الإعجازية التي تحكيها الأم عن مار جرجس والعذابات التي تتعرض لها جومر, ومع فسخ خطوبة جومر من الشاب المرشح للكهنوت تتفكك الأسرة الصغيرة.. جومر تشهر إسلامها, الأم تموت..الشقيق الأصغر يقتل زميله الذي عايره بأخته.. مريم تتزوج ابن عمها الصعيدي الذي يذيقها العذاب. يتم العثور علي جومر مقتولة داخل أحد الأديرة تحوم الشبهات حول كثيرين لدرجة الشك في القديس النائم بتابوته بالدير منذ مئات السنين لينتهي التحقيق في تلك الجريمة بمفاجأة حيث يدخل الكاتب إلي عمق التراث ليقدم قراءة إنسانية جديدة عن نشأة الرهبنة ويتعرض لمحاكمة التراث القبطي في جرأة وحدة ليصل إلي قاتل لا يتوقعه, وبصفة عامة تدور أحداث الرواية في أربعة عوالم: جومر وأسرتها الكنيسة والدير, الدكتور نادر وعبدالغني البواب وزوجته فاطمة, والرهبان قديما. وروبير الفارس سبق أن صدر له رواية البتول ومجموعة قصصية بعنوان عيب إحنا في كنيسة إلي جانب عدد كبير من الدراسات والأبحاث. صدرت عن وكالة سفنكس