أصبح من الطبيعي أن أعود من الشارع متأزما.. أخرج من بيتي مغلوبا علي أمري لتأمين لقمة العيش فأعود إليه مثقلا بأطنان الإحباط والانكسار وحرق الدم..! تأكل رأسي التساؤلات في غير رحمة.. فماذا أصابنا؟, وماذا جري لحياتنا ولشوارعنا وهويتنا وأخلاقنا؟, أين كان هذا الوجه العبثي لمنارة الفكر وقلب الحضارة ونبض الأديان؟, أين ذهبت عبقرية مصر التي أدهشت العالم؟, وكيف جارت عليها أنياب الفوضي والانحلال والإرهاب الفاجر فراح ينهش الأخضر واليابس من قيمنا ومبادئنا وتراثنا هكذا في ضراوة؟. وأجدني مشدودا إلي نافذة النت متلهفا, وفي غير إرادة لمعايشة لحظات خارج الزمان الحاضر, ومع أحد الأفلام المصرية القديمة, أيام كان كل من عبدالوهاب أو عبدالحليم أو فريد يغازل المحبوبة ويتغني بها في شوارع القاهرة وحدائقها وعلي ضفاف نيلها ومروجها السياحية, وأيام كانت الشوارع مغسولة ولامعة وعلي جوانبها أرصفة تحنو علي المسن والعاجز والطفل وتحميه من هرج الطريق.. وأين كان هرج الطريق وقتها؟ وانتقل من مشاهدة الفيلم إلي ماتش كرة في ناد مصري عريق, أيام محمد لطيف وعلي زيوار وغيرهما من المعلقين المحترمين لأستمتع بروعة الجمهور المشجع للرياضة والعاشق لها, فأتفاعل مع حماسه الملتزم وهتافاته المتحضرة وألفاظه المسئولة, فلا شماريخ ولا مفرقعات ولا تسلق للأعمدة ولا هتافات بذيئة تطعن الحياء ولا تعرية لصدور الشباب واستعراض البلطجة.. والأهم من كل ذلك فلا ألتراس خارج علي النص ولا هم أزلي. وأختتم رحلة مراوحة النفس مع إحدي حفلات أم كلثوم, حيث عبق الأصالة المتوارثة في المجتمع المصري, الملابس والنظام والالتزام والطرب الحقيقي الذي لا يشوبه تداخل شخوص المغني بالمستمع بالموسيقي بالمهرج بالمسف بالطائش وخروجهم عن كل حدود اللياقة. معقول كنا هكذا.. وأصبحنا هكذا؟.. وأغلق نافذة النت وأنكمش بداخل نفسي. والحل..؟ ما الحل إذن..؟ وكيف نتصالح مع أنفسنا ومع مجتمعنا المقهور؟ ما رأيكم في أن نبدأ الطريق بالابتسامة, وأن يبدأ كل منا بتطويع ابتسامته علي وجهه من جديد, ويقابل بها وجه أخيه فينال بذلك صدقة, ولعل هذه الصدقات مجتمعة تشفع لنا عند الرحمن فيمن علينا برحمته. الروائي نبيل عبدالحميد