القمر(1) . انتفضت.. ما الذي جعلها تنتفض وتهب واقفة؟ ظلت تتلفت يمينا وشمالا.. وهرعت إلي الدرج تدب فوقه وترتقيه حتي سطح الدار. طافت بالمكان ودارت, وكانت غيمة من الضوء الأشهب تطل عليها. والقمر الذي كان بدرا وقتها, أسقط نوره وراح يناوشها ويبتسم. .. بدالها أنه يباغتها ويرشها بزخات من ندي نوره.. فترتجف تعلو رجفتها في أنين أنثوي مكظوم.. وتدفعه عنها كأنه يود أن يأخذها إلي عرينه. .. ما الذي يفعله بها؟ يقترب حتي يكاد يحتوي. ترعشها ملامسته, واحتواؤه.. .. الخدر الذي أصابها من أين جاءها؟ والقمر الذي كان بدرا تراقص حولها وحجل, أيقظها من سباتها, وارتقي بها.. أيخطفها؟ أيود أن يعرج بها؟ هل يقوي؟ النفس المغلقة تنفتح علي آفاق بيضاء مصقولة.. يشع صهدها فيكويها. من أين جاءها الوهج؟. مدت ذراعيها وعبت, أعاقها الثوب فخلعته. تبدت كحورية تضوي بالنور, وكانت غمامة من صبوة النار تمسها, وتلتطم.. راحت تتقي الضوء.. وتأتنس خاطبته في همس المحب ماذا تريد مني؟! والقمر الذي كان بدرا لم يكتف ببسمته التي أكلت وجهه .. وأجترأ.. ناوشها فاتقته باليد ابعد يدك عني لاحت ثنايا الوجه وضيئة وبارقة, وخيط نوره.. تأتلق, ظل يراوغها.. حتي احتوي.. سأشكوك لبنات الجنة كان الليل يسترها, والقمر يفرش غيمته ويصب نداه.. تماست السماء بالارض. ... وأدركت.. انفتحت الارجاء.. غلبها الحذر, ولم تشعر به وهل ينسل حين أفاقت لم تجده انكفأت وبكت واتتها روحها الغائبة فصكت وجهها.. وبكت خبطت صدرها وبكت دهست صدرها في الحائط الخشن وبكت .. ولول السكون, وطارت فراشات النور هاربة أخذها الذهول وأسلمها الي الصمت.. ظن الاهل أن بها خبلا, فتوجسوا لكن.. من يمنع العين أن تري! والجسد أن يمتلئ؟ استدارت البطن.. وانكشف الخبئ, وجاء الأوان .. استحكمت حولها الحلقة.. من هو؟ ما اسمه؟ ابن من؟ من البلد؟ غريب عنا؟ وشحذوا الالسنة.. بلسعة الملام أنت لا تفارقين الدار! من اين جاء إذن؟ أيكون الجن خواها خلسة؟ والموت طائر يرفرف بخافقين محجوبين قالت امرأة مغلولة: نجهضها وقال هي متوسلة: لاتجهضوه .. حين أحكموا الحصار, ورأت أنهم يأخذونها إلي الموت, قالت في سكون هادئ يتربص بها أبوه في السماء ظنها الاهل مجنونة وهم يرونها تطوف أرجاء البيت وتردد عملها القمر ونأي غافلني وهرب قلت له إبق.. فأبي وراحوا يحدقون.. ويندهشون ... القمر الذي كان بدرا صادها, وضمها للحور العين. في الصباح لم يجدوها.. لاحظوا بقعة الدم تزهو حمرتها فوق السطح والسلم تعرج درجاته الي السماء.. وتختفي.. لاتبين. حمامة2 وجدتني واقفا في بقعة نائية الطريق الذي أقف فوقه يمتلئ بالحفر.. علي اليمين ترعة ضيقة وملتوية وتمتد وراء الحقول. علي شاطئيها شجيرات متناثرة, وثمة شجرات سامقات من الكافور ترسل رائحتها بهمس خافت. .. وصلني نقيق لا يبين يأتي من بعيد, وأصوات طيور تتعالي أصداؤها وتختلط.. تعجبت مما يصلني من أضداد. علي اليسار كانت قضبان القطار تمتد مع المدي أرسلت عيني في المكان وتساءلت في دهشة. أهو المكان الذي أقصده؟ هل ضللت الطريق إليه؟ المكان الذي أقصده يقع في طرف المدينة.. ولكنني الآن في بقعة نائية.. حقول, مياه شحيحة, وقطار لايأتي, ولاصوت أتبينه.. لكني عبرت الشارع إليه.. الحيرة تأخذني وتبهم الرؤية أتكون قدمي أخطأت فعبرت طريقا آخر أوصلني إلي النأي؟.. .. ومضيت.. لا أحد في المكان أسأله.. .. وكان القمر يغمر الأرض بالضياء ظللت أرنو إليه.. وأتلفت أرمقه في كل خطوة أخطوها.. أكاد أتعثر, فحدقت فيه مجهدا ورجوته أن يزيد من نوره.. .. لمحته يرنو, وتتسع عيناه, وبؤبؤ عينه يحدق في. تحركت جفونه وأرسل ضوءه يربت صدري. .. أبديت مسكنة, وتمنيت عليه أن أهتدي إلي الدرب الصحيح.. وكأنني غفوت فلم أتبين ماحدث.. لكنني لمحتها تزهو وتقترب. كانت الحمامة البيضاء ترفرف وتحط علي رأسي, وكأنها تشير إلي أن أتبعها.. وسرت وراءها.. ولم أع أنها تصطادني برفتها.. فتابعتها كانت إذا مرقت مرقت, وإذا انحنت ملت, وإن أبطأت توقفت.. حتي وجدتني علي زاوية الشارع, وأعمدة النور مرصوصةتفرش ضوءها.. ... رفت, وهدلت, ودورت هواءها.. ثم طوت جناحيها ومرقت صاعدة. كان البدر مكتملا في وسط السماء.. ويرسل ضوءه إلي.. ظننت أنه لايزال يحدق في وجهي ويربت صدري.. .. ورأيته ينحني.. ويلوح.. ورأيته يمد نوره إليها.. كانت تنتظرني في الشرفة.. وتشع.. وحين استقام وابتعد, كان وجهها يضيء, وبؤبوها يتسع. غارة 3 ..زها الوجه وأسفر عن بهاء يضوي.. أطبقت شفتي, وهدأت قلبي وأنا أهامس نفسي: لم كل هذا الجذب؟.. قلت: علي أن أواجه واصطلي, وقفت في مدي عينيها, ولبدت. بدوت كالمنتظر.كنت ممتلئا بالصمت, فكفاني, وطالت وقفتي.. زجرت سكوتي وقلت: تكلم فك لسانك وارم به في حضرتها علها تدرك وجدك, وألمك.. فيصلك منها.. البهاء طازجا. نظرت بعطف الممتن, وحركت هامتها, ونفضت شعرها الذي انهل كالسبائك المذهبة, فراعني النور الذي فاح منها, وراح في مخاتلة يضوي ويملأ المكان. شدت جسمها, وأحكمت ثوبها, ولملمت أعضاءها.. وكنت أنتظر.. سدت بقامتها فراغ الباب, فاشتعل الحس, وكانت تلامس أنفي روائح الشواء.. في الداخل.. فأتنبه وأنتظر.. وأشم رائحة الهوي.. من أيقظ في الليل الهوي؟.. رأيتها تمد يدها إلي حافة الباب, ورأيتها تفرد ذراعيها بعرض الباب.. تحرقني الرغبة, وتخطو بي إلي النور.. وتتراجع في خفقة موقعة خطوة إلي الوراء, وعيني عليها, لكزت الباب, وولجت ضاحكة.. أسلمت الأمر للهوي, وقلت انني قادر علي المبادرة.. وشن غارة عليها.. وخطوت وقلبي الذي كظمته, عصاني, وخرج من تجويفه وحوم, وقف علي الحافة: مشقشقا, ينتظر الآذن. لكن حدأة صاتت من الداخل, فلملمت ثوبها, وضمت خوافيها, وأخفت قمرها وراء الحجب, وأوصدت بابها. .. وظل قلبي/ العصفور قائما فوق مائها اللجي ينتظر.. أن تهل.. كان القمر يتيه بنوره.. ويستدير, ويصنع هيئته, ويبتسم.. .. وأراها ترفع ذراعها وتلوح, تفرد أناملها الرقيقة وتلاعب ضوءه, فيسري النغم راعشا, وأراني ممددا, رهق البعاد أمضني, وأحسها,.. يدا حانية تمسدني.. تلامس وجنتي.. وأنا كالمستغرق في حضرتها, تتراخي الزفرات, ويأخذني الخدر يتراءي لي الوشاح الأبيض.. ينحسر في حنان عن جيد يضوي يحاكي ضيه القمر.. وخطت.. خطت برهافة, كفراشة.. ترمقني بالأنملة.. كأنها تدعوني.. وأنهض. ثقيلا أدب علي بساط من العشب الأخضر.. كانت ترنو, وتومئ, وتلوح بالوشاح.. بدت كحمامة تهدل. كسحابة تسيل في الفضاء كأنها لجين مسكوب. ترتفع وتسمو.. وأنا أخلع قدمي.. تعلو في سموق.. وأنا أنفض ثقل الطين عن قدمي أراها تصاعد في السماء وتضوع رائحتها.. وترش وجه القمر.. وأنا ألهث.. علني أفوز وأرتقي.. وأمسك القمر..