قدر الأمم المأزومة أن تبحث بلهفة عن منقذ يقودها إلي بر السلامة, وعثر المصريون علي ضالتهم في الفريق عبد الفتاح السيسي, الذي يتعرض الآن لضغوط جماهيرية وسياسية متزايدة, لإقناعه بخوض الانتخابات الرئاسية الوشيكة. مستندا علي ما ناله من شعبية جارفة ساحقة, بعد اختياره الصائب الوقوف في مربع الشعب وليس الحاكم. الداعون والمؤيدون للسيسي لم يلقوا بالا لنفيه في أكثر من مناسبة أنه طامع أو راغب في السلطة, وأنه يكفيه شرفا وفخرا دوره في الدفاع عن إرادة الجماهير في التغيير, ولا يطمح لأزيد من ذلك. ولا اشك ثانية في صدق الرجل وزهده في الكرسي, لكن يقلقني هذا الإصرار الغريب علي الدفع به لمحرقة السياسة, وأظنه فخا عليه تجنبه وعدم الانجرار إليه, مهما كانت الإغراءات والمبررات. فالسيسي في هذه اللحظة منوط به استكمال مهمة حساسة ودقيقة لأبعد حد, ولابد أن تستحوذ علي كامل تركيزه وتفكيره, وهي صيانة الأمن القومي المصري بتعقب الإرهابيين والتكفيريين في سيناء وخارجها, بعدما انكشفت نواياهم الخبيثة في تطبيق النموذج الأفغاني القبيح علي الأراضي المصرية. والمعركة معهم ستكون طويلة ومتشعبة ويلزمها مسئول علي دراية وإلمام بهذا الملف الخطير المتوقف عليه تماسك الوطن ومستقبله ومستقبل أجياله القادمة, ويتوازي مع ذلك متابعة جهود وخطوات تحديث وتطوير القوات المسلحة, لأن الأعداء والمتربصين بالمحروسة من الخارج أخطر بمراحل من خصوم الداخل, والشواهد تظهر أن السيسي لديه خططه الجاهزة للحفاظ علي قوة ومناعة الجيش المصري العمود الصلب الذي نحتمي به ومعنا البلدان العربية, بعد أن فتتت أمريكا والغرب جيوش العراق وليبيا وسوريا علي الطريق. والسيسي يعلم أن ترشحه سيثير خلافات بين المواطنين والقوي الثورية, فالقرار سوف يسبب زوابع ولن يقبله البعض وسيدافع عنه البعض الآخر, وحينئذ ستتمزق الجبهة الداخلية وسوف تفتح ثغرات فيها سينفذ منها من يروجون ويتحدثون عن انقلاب عسكري وعودة الجيش للحكم, متجاهلين أن الثلاثين من يونيو كان ثورة شعبية دعمتها مؤسسة وطنية اسمها القوات المسلحة. كما يعي تماما أن موقعه في التاريخ كرمز لهذه الثورة أجدي وأبقي من المقعد الرئاسي. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي