في إحدي سفرياتي إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل نحو20 عاما للاشتراك في دورة تدريبية مع مجموعة من الصحفيين العرب كان موضوعها دور الصحافة في المجتمعات الديمقراطيةكان مرافقنا شاب عراقي مثقف مكلف من وكالة الإعلام الأمريكية بالترجمة في المحاضرات وفي تقديم المعلومات عن المجتمع الأمريكي بما يسهل نجاح مهمتنا. وأتذكر أن هذا الشاب تحدث في أول استقبال لنا عن كثير من الأحوال السياسية والاقتصادية والمجتمع الأمريكي قوته بشكل عام.. وكيف صنع الآباء المؤسسون الأوائل والزعماء أمريكا منذ أكثر من200 سنة وحتي الآن؟ وكيف وضعوا أساس النهضة بدءا من الدستور إلي كافة القوانين, مشيدا بما قدمه هؤلاء من أمثال توماس جيفرسون وإبراهام لنكولن وجورج واشنطن وغيرهم الكثير. لكن الشاب العراقي في غمرة التحليل السياسي والتاريخي لقوة أمريكا لم ينس أن يحدثنا عن قضية مهمة جدا يعتبرها الكثيرون هي احد مصادر القوة الأمريكية الاقتصادية والاجتماعية وهي ما يطلقون عليه مجموعة قيم التاء ويقصدون بها الاهتمام بقيم التطوع والتبرع والتعاون والتعليم والتدريب. حيث ان الاهتمام بهذه القيم والقيام بالمبادرات الخاصة وأعمال الخير الاجتماعي لمصلحة المجتمع هي كلها أدوات لتحقيق التقدم دون الاعتماد علي الحكومة في كل شيء..فلابد أن يعتمد المجتمع في كثير من أموره علي نفسه من خلال التطوع والتبرع والمبادرات الخاصة من أجل تحقيق المصلحة العامة أو ما يسمي مصلحة الدولة أو الوطن. وبالفعل اكتشفنا أن هذه حقيقة مهمة في المجتمع الأمريكي ولم تهتم بها المجتمعات العربية أو الشرقية بشكل عام إلا منذ سنوات قليلة ليس بالقدر المطلوب, بل إن بعضها حتي لو كان حدث خاصة من مجتمعات رجال الأعمال الاغنياء كان لتحقيق مآرب شخصية بل ان هناك كثيرا من هذه الأعمال التطوعية لا يجد صدي في المجتمع علي الاطلاق بل ربما يجد الاستهجان لا الشكر والمساعدة والتعاون وكأن علي الدولة أو الحكومة أن تفعل كل شيء.. وبالتالي قتلنا روح المبادرة والتطوع والتبرع التي هي قيم أساسية لتقدم الدولة ومساندة الحكومة لتحقيق النهضة المصرية الشاملة التي نتطلع إليها. لماذا أقول هذا الكلام اليوم.. ؟ اقرأوا معي سطور الرسالة التالية لتدركوا الأسباب, وهي الرسالة التي اختص بها الكاتب الكبير الأستاذ لبيب السباعي صفحات سياحة وسفر الأستاذ الزميل/مصطفي النجار... تحية ومودة.. في زيارة عمل سريعة إلي مدينة دبي ولا يحتاج الأمر عند الحديث عن دبي إلي سرد ما تعيشه السياحة هناك تلقيت دعوة إلي زيارة القرية العالمية أحد المعالم السياحية التي اخترعتها دبي لضمان استمرار تدفق السياحة عليها وهي القرية التي يزورها خمسة ملايين زائر خلال الدورة الواحدة لنشاطها التي تستمر تسعين يوما.. وهذه القرية العالمية عبارة عن سبعين ألف متر مربع تخصص للمعارض. حيث تشارك كل دول العالم تقريبا بأجنحة في معرضها السنوي تقدم فيه منتجاتها التي وفقا للإحصاءات الرسمية يشاهدها خمسة ملايين سائح. المفاجأة أن مصر كانت علي وشك أن تغيب عن هذا المعرض الدولي الكبير هذا العام برغم مشاركتها علي مدي السنوات الماضية وذلك لأسباب بيروقراطية وساعتها كنا سوف نتهم الأيادي الخفية أو الطرف الثالث الذي لا يريد الخير لمصر بأنه السبب وراء غياب مصر من هذا الحدث العالمي. وبالفعل غابت حكومة مصر عن هذا المعرض, لكن أحد ابناء مصر وهو إبراهيم جابر الذي يمتلك ويدير شركة متخصصة في انشطة التصميم علي أرض الإمارات منذ سنوات, قرر ألا تغيب مصر عن هذا المعرض الدولي خصوصا في الظروف الراهنة التي يمر بها الاقتصاد المصري. وبادر إبراهيم جابر بالتقدم لإقامة جناح مصر ولاسباب سوف نفترض أنها مجرد بيروقراطية أو لأن المسولين في مصر لديهم من المشاغل ما يجعلهم يرون أن غياب مصر عن هذا المعرض لا يمثل مشكلة, فان إبراهيم جابر لم يجد من يحاول مجرد محاولة أن يدعم جهوده, بل ربما علي العكس وجد من يعرقل محاولته باعتبار أن مصر هي الوزارة وما دامت الوزارة لم تشارك فليس من حق أحد أن يقوم بدورها ولم تنجح محاولات عرقلة إبراهيم جابر فاستمر في اتمام المشروع بفريق عمل من أبناء مصر. وبدعوة من السفير مهاب نصر قنصل مصر في دبي وجدتني داخل الجناح الذي يحمل اسم مصر والذي أقامه إبراهيم جابر ووجدته جناحا مشرقا وأكثر من رائع.. كان الجناح المصري يقدم علي مساحة ثلاثة آلاف متر مربع صور ة مصغرة لميدان التحرير بكل تفاصيله من الدائرة التي في المنتصف إلي المتحف المصري وإلي جانبه حي خان الخليلي والخيامية بمحلاتها حيث كل الصناعات والمنتجات المصرية وفي داخل ميدان التحرير نموذج رائع للمتحف المصري وبه عدد كبير من نسخ مطابقة للعديد من أشهر الآثار الفرعونية.. توت عنخ آمون ونفرتيتي ومراكب الشمس والمومياوات, كلها تمت بمعرفة خبراء عالميين في هذا المجال, وفي الجناح المصري قاعة سينما كاملة تعرض أفلاما وثائقية عن مصر وأخري تاريخية عن حضارتها لجذب السياح إلي زيارة مصر, إلي جانب فرقة للفنون الشعبية تقدم عروضا لهذه الفنون من الإسكندرية حتي أسوان. المهم أن هذا الجناح بكامل تكلفته لم تتحمل مصر فيه جنيها واحدا نجح في أن يحتل الصدارة في القرية العالمية في دبي بجوار أجنحة السعودية والإمارات العربية وقطر وروسيا وغيرها.. وتفوق عليها وكان إصرار إبراهيم جابر وشقيقه محمد علي نجاح المعرض هو أن يكون رسالة للجميع بأن مصر برغم أي ظروف قوية وقادرة وإنها بفضل ابنائها بخير. الاستاذ الزميل/ مصطفي النجار حتي هذه اللحظة تبدو الصورة مشرقة ولكن وأنت تعلم أن وراء كلمة ولكن دائما تأتي المشكلة هل تتصور أن جناح مصر وميدان التحرير والمتحف المصري في قلب دبي لا يستطيع أن يرفع علم مصر علي هذا الجناح؟! بينما أعلام الدول ترفرف فوق أجنحتها.. هل تعرف لماذا؟ لأن هناك مسئولا في مصر يرفض أن يرفرف علم مصر علي جناح مصر وحذر بشدة من أن يرتفع علم مصر علي جناحها, لأن الوزارة المسئولة لم تمنح مواقفتها الكريمة علي وجود جناح مصر في هذا الحدث الكبير, ولذلك كان الجناح الوحيد في المعرض الذي لا يرتفع عليه علم الدولة التي يمثلها. ولأن عادتنا هي معادتنا لمن ينجح أصرت, هيئة المعارض في مصر علي ألا يرتفع علم مصر علي جناح مصر برغم ما يحققه من نجاح وزحام, وأنت تعلم أن الزحام في دبي مشهد غير مألوف. معرض القرية العالمية وجناح مصر يتصدره مازال مستمرا, وهو من أوله إلي آخره يمثل مصر ومن تحمل به ابن من أبناء مصر وقد أشاد به كل المسئولين في مقدمتهم السفير مهاب نصر الذي قال إن جناح مصر هذا العام نجح بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف, وكانت تلك ايضا هي شهادة جميع الشخصيات الرسمية المسئولة في الإمارات العربية التي زارت جناح مصر, لكن للأسف فإن كل ذلك لم يشفع لكي يوافق السيد المسئول علي السماح برفع علم مصر عليه.. والسؤال العاجل هو هل يمكن أن يبادر السيد وزير الصناعة أو وزير السياحة ويستثمر عدة ساعات من وقته يطير فيها إلي دبي يرفع علم مصر علي جناح مصر؟. مع خالص تحياتي وتقديري لبيب السباعي شكرا للأستاذ الكبير لبيب السباعي.. علي غضبه من أجل مصلحة مصر, وشكرا له علي إثارة هذه القضية.. ولعل القارئ العزيز يدرك الآن وبعد قراءة الرسالة لماذا بدأت بمقدمة تتحدث حول قيم التطوع والتبرع والمبادرات الخاصة في المجتمع الأمريكي التي تضيف إلي قوة أمريكا ولا تعتبر أبدا أن الحكومة هي المسئولة, عن كل شيء. وهنا في هذه الحالة.. هذا هو ما فعله بالضبط الشاب المصري إبراهيم جابر. لقد دفعته غيرته علي اسم مصر أن يتطوع ويتبرع ويبادر بالعمل من أجل مصر.. ودفع من وقته وماله وجهده.. إلا أنه لم يجد من يسانده حتي ولو من حيث الشكل في رفع علم مصر علي جناح مصر الجميل... وهنا لا نملك إلا إن نقول ان هناك من يحاول قتل الانتماء والوطنية عن أبناء مصر.. لكن هيهات.. فلابد أن في مصر من هم قادرون علي تصحيح الأخطاء ودفع الشباب للعمل والتطوع من أجل مصر. انني لا أستطيع أن اصدق أن علم مصر غير موجود ولا يرفرف مثل أعلام باقي الدول بهذا المكان في دبي!..ولا أتصور أن أحدا يتخذ مثل هذا القرار بعدم رفع العلم عقابا علي تبرع الشاب وتطوعه من أجل مصر. لا أكاد اصدق..بل أقول من فرط عدم تصديقي ربما يكونون قد وافقوا علي رفع العلم وأرسلوا العلم إلي دبي بالفعل.. لكن الشاب لم يعرف بذلك أو يمكن حد سرق العلم.. من يصحح هذا الخطأ..! المزيد من مقالات مصطفى النجار