حالة من التشتت يعيشها العالم الآن وهو يتابع ما يحدث في سوريا مؤخرا بعد أحداث الغوطة بريف دمشق, فما بين الإدعاء باستخدام نظام الأسد للغاز السام في هجومه علي البلدة والذي راح ضحيته أكثر من0071 معظمهم من الأطفال وبين اتهام النظام للمعارضة بالوقوف وراء الهجوم واختيارها لهذا التوقيت الحرج الذي يتزامن مع زيارة بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة, يقف العالم في حيرة حيث تاهت الحقيقة في ظل تصريحات متضاربة وشهادات كاذبة, وادعاءات لا يحكمها المنطق من كلا الجانبين, ليتكرر لغز العراق مجددا ونستعيد ذكرياته الأليمة ببطل عربي آخر هذه المرة هو( سوريا). اختيار توقيت الهجوم الغاشم واستهداف الغوطة التي تسيطر عليها المعارضة منذ شهور, يثير العديد من التساؤلات, أولها لماذا تلك البلدة بالذات ؟ ولماذا هذا التوقيت ؟ كيف يحمي جيش النظام جنوده علي الرغم من قربه الشديد من موقع الحادث, وإمكانية تأثر عناصره بالغاز ؟ وهل فعلا هي رسالة من نظام الأسد للعالم مفادها التهديد باستخدام الغاز تجاه كل من يحاول دخول سوريا ؟ أم أنها محاولة أخيرة من المعارضة استهدفت منها ايجاد مبرر قوي لإجبار الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي علي تسليحها بأسرع وقت ممكن, وكذلك الدعوة بغطاء انساني لتلك الدول للتدخل لحل الأزمة عسكريا. تقول بهية مارديني عضو تيار التغيير الوطني المعارض, إنه لا يمكن أن يقف وراء هذه الهجمات إلا نظام الأسد لأنه صاحب المصلحة الأولي والأخيرة وصاحب المقدرة والأدوات التي تمكنه من دخول ريف دمشق باستخدام غاز السارين, مؤكده أن الثوار استطاعوا السيطرة علي الغوطة خلال السنة الأخيرة بالرغم من محاولات النظام المستميتة لاقتحامها طوال الفترة الماضية, وقد قام بقصف حرستا ودوما وعربين وزملكا وجوبر والريف كله أكثر من مرة, وفشل فشلا ذريعا في دخول تلك المنطقة, ولعل أكبر دليل علي ارتكاب النظام لتلك الهجمات أنه لم يسمح لفريق تقصي الحقائق بدخول الغوطة حتي الآن ومن غير المسموح له إلا مواقع معينة بموجب اتفاق مع حكومة النظام وبعد ضياع الأدلة. وتري مارديني أن توقيت الاقتحام تم اختياره بعناية من قبل النظام في ظل تحضيرات واشنطنوروسيا لمؤتمر جنيف2, واجتماع لاهاي وهو ما جعله يقرراقتحام الغوطة باستخدام الكيماوي وقصفها حتي الآن ليحتل مراكز استراتيجية ونقاطا مهمة تسمح له بالدخول منتصرا إلي جنيف2. وأضافت مارديني أن روسيا لا تستطيع حماية النظام أكثر من ذلك, فسمحت له بتلك الضربة التي لم تكن الأولي, وقامت بتغطيته عبر المزاعم بأن أقمارها الصناعية رصدت قيام المعارضة بهذا, في حين أن المعارضة لا تملك هذه الصواريخ بالإضافة إلي أنها انطلقت من قاعدة للنظام في القلمون. وتؤكد مارديني أنه في الوقت الذي نفي فيه النظام استخدام السلاح الكيماوي, كان شبيحته يوزعون الحلوي في المناطق التي يسيطر عليها, وكتبوا علنا في مواقع التواصل الاجتماعي هل من مزيد ؟ وهو أكبر دليل علي وقوف النظام وراء الهجوم. ومن جانبه, أكد معتز شقلب عضو المجلس الوطني المعارض أنه من المستحيل أن يقتل الشعب نفسه لتحقيق نصر سياسي, فمن قتل العائلات والأطفال هو النظام نفسه, وهو يتحدي العالم بأسره منذ اليوم الأول للثورة السورية, ويري شقلب أن هجمات الغوطة وتوقيتها الذي يتزامن مع وجود لجنة تقصي الحقائق هي رسالة من نظام الأسد للشعب السوري الذي انحاز للثورة بأن' لاأحد يحميكم من انتقامي' خاصة وأن المعارضة تحقق تقدما كبيرا في هذه المنطقة. وأدان شقلب بشدة تصريحات روسيا بأن المعارضة المسلحة هي من نفذت الهجوم بالكيماوي متهمة لواء الإسلام الذي ينتمي معظم ابنائه لنفس المنطقة التي قتل بها الأطفال والعائلات, متسائلا هل يوجد عاقل يقتل أهله ويشارك بجريمة كهذه؟ كما أكد شقلب أن المعارضة لا تملك هذا السلاح الفتاك وإلا كانت قد استخدمته لفك الحصار عن حمص التي أنهكها الحصار منذ سنة وثلاثة أشهر. رأي آخر يحمله لنا شهود عيان بجوار المنطقة التي تدعي المعارضة أن الصواريخ الكيماوية أطلقت منها, حيث يشكك الشهود في أن يقف النظام وراء تلك الهجمات مبررين ذلك بأن المنطقة التي أطلقت منها الصواريخ لاتصلح لتلك المهمة فمنطقة( البانوراما) هي منطقة أثرية يوضع فيها بعض الأسلحة التي استخدمها الجيش السوري في حرب أكتوبر سنة3791 لا تصلح لأن تسع منصة لإطلاق الصواريخ, كما أن المنطقة التي يتمركز بها جيش النظام وهي جبل قصيون منطقة مرتفعة جدا عن الغوطة ولكنها تبعد عنها أقل من01 كيلو مترات فقط, وهو ما يجعل استهدافها مستحيل نظرا لقربها الشديد, وبالتالي تأثر جنود النظام بالغاز بمجرد إنطلاق أي صاروخ, وهو ما حدث بالفعل حيث أصيب بعض الجنود نتيجة استنشاق الغاز. وأضافوا أن الجيش السوري باستطاعته أن يقتحم الغوطة بسهولة ولكنه يرفض التدخل ويكتفي بمحاصرتها منذ سنة تقريبا خوفا علي أرواح من فيها, علي الرغم من استغلال الجيش الحر للمنطقة واحتمائه بأهلها. فلماذا يستهدفها بالغاز إذا ؟وهو بمقدوره اقتحامها عسكريا. ومن جانبه أستبعد اللواء محمد الغباري مدير كلية الدفاع الأسبق, وقوف النظام وراء تلك الهجمات لأن استخدام الغاز السام لابد أن يخضع لحسابات شديدة الدقة مثل( اتجاه الريح, كثافة الهواء, الرطوبة, مدي انتشار سحابة الغاز) وكلها عوامل تجعل من استخدام النظام لهذا السلاح أمرا صعبا, في ظل قرب معسكره من المنطقة المستهدفة, خاصة وأن تلك الغازات يظل تأثيرها في الهواء فترة طويلة. وحول استخدام صواريخ في الهجوم, أكد الغباري أن مثل هذه العمليات لا تحتاج لصواريخ كما زعمت المعارضة نظرا لقرب الهدف من معسكر الجيش, ومن الممكن أن ينفذ الهجوم عن طريق قنبلة غاز يتم تفجيرها عن طريق أفراد أو بأستخدام مدفعية عادية, وباستبعاد استخدام صواريخ توجه أصابع الإتهام إلي كلا الجانبين.. مصادر دبلوماسية سورية أخري أكدت أن الإعلان عن هجوم الغوطة الأخير يهدف إلي نزع الشرعية الدولية عن الدولة السورية بذريعة استخدامها للأسلحة الكيماوية ضد شعبها, وبالتالي التشكيك في حقها بالمشاركة في مؤتمر جنيف2 وإفشاله, ومن ثم تدخل مجلس الأمن بقرارات تتعلق بضرورة توجيه ضربات جوية أمريكية إلي سوريا لمواقع الأسلحة الكيماوية وتصبح سوريا عراقا جديدا خلال أيام. ولعل اجتماع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع مستشاري الأمن القومي منذ أيام خير دليل علي السيناريو القادم, حيث أمر الرئيس الأمريكي المخابرات بجمع أدلة حول استخدام النظام للسلاح الكيماوي في الهجوم علي الغوطة, وإعلان البيت الأبيض لأول مرة بعد الاجتماع عن وجود خيارات عديدة و متاحة من الممكن استخدامها في أقرب وقت, في تلميح واضح حول قرب تنفيذ هجوم عسكري أمريكي علي الأراضي السورية.