شكلت المواقف السعودية تجاه مصر في الآونة الأخيرة مرتكزا محوريا في تقديم الإسناد لثورة الثلاثين من يونيو التي جاءت تصحيحا لثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة علي الصعيدين الإقليمي والدولي. مما ينعكس بدوره علي الاستقرار في الداخل والذي يمثل- وفق تعبير الأكاديمي السعودي الدكتور خالد الدخيل- الدافع الأساسي لهذه المواقف التي تجلت في خطوات عملية سواء علي المستوي السياسي أو المالي أو الانساني. فعلي المستوي السياسي جسدت الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للشعب المصري موقفا قاطعا يرفض بشكل واضح لالبس فيه التدخل في الشئون الداخلية لمصر ويعلن الوقوف الي جانبها ضد الإرهاب والضلال والفتنة ويؤكد حقها الشرعي في الدفاع عن أمنها واستقرارها لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس وفي السياق السياسي جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز الي باريس لتسهم في تغيير الموقف الفرنسي وتدفعه نحو قدر من التوزان وهو ما أسهم بدوره الي جانب الاتصالات الثنائية الأخري في بلورة موقف أقل تشددا من قبل الاتحاد الأوربي في اجتماعه يوم الأربعاء الماضي والذي أكد استمرار شراكته مع مصر متجنبا فرض قطيعة أو قطع المعونات عنها مكتفيا بتجميد ارسال المعدات والتجهيزات ذات الطبيعة العسكرية ودعوته الي الحوار السياسي وإرساء الديمقراطية وعلي المستوي المالي أكدت الرياض استعدادها لتلبية المطالب المصرية الاقتصادية وكان العاهل السعودي قد قرر تقديم مساعدات بقيمة5 مليار دولار فضلا عن ذلك فإن الإمير سعود الفيصل أعلن جاهزية بلاده والدول العربية والاسلامية الأخري لتعويض أي معونات قد يقرر الغرب- وتحديدا الولاياتالمتحدة- وقفها عن مصر وعلي المستوي الانساني كان قرار خادم الحرمين الشريفين إرسال ثلاث مستشفيات ميدانية الي مصر لتسهم في تقديم الخدمة الطبية المتميزة في هذا الوقت العصيب الذي تواجهه من جراء تفاقم الحالة الإرهابية ووفقا لرؤية خبراء ومحللين سياسيين فإن هذه المواقف خاصة علي الصعيد الدولي تعكس رؤية دبلوماسية استراتيجية جديدة تنحاز دائما للمصالح السعودية مهما غضب الآخرون, فإذا تقاطعت تلك المصالح مع مصالح دول كبري فأهلا وسهلا لافتين الي أن الغرب بدبلوماسية الهواة في البيت الأبيض لم يستوعب بعد الخطوط الحمراء السعودية, والتي تتمثل في: لا لهيمنة إيرانية أو تركية علي الإقليم العربي. لا لتدمير الجناح السني. لا لتدمير آخر الجيوش العربية إضافة لما سبق فإن هذه الرؤية تتعامل بسياسة: أكون أو لا أكون وتوازنات التضحية بالمصالح الصغري مهما بدا حجمها وأهميتها, وهو ما لمحت إليه كلمة خادم الحرمين الشريفين وتصريحات الأمير سعود الفيصل, عبر التصدي لمخطط الشرق الأوسط الجديد القائم علي إنهاء القوة الناعمة للدول السنية, واستبدالها بقوي إقليمية انتهازية: إيران تركيا ولاشك أن هذا الموقف- الكلام للخبراء أنفسهم- كان بمثابة إعادة تموضع القوي داخل الإقليم العربي ومحيطه من جديد, وهو ما يعيد الصغار إلي مربعهم الأول, لأن المرحلة الحالية هي واحدة من أخطر مراحل الصدام الحضاري بين شرق عربي لا يزال في مراحل النمو, وبين أسلوب غربي متسارع غير فجأة من أسلوبه وطريقة إنشاء حلفائه الجدد. وفي القاهرة تحدث ل' أوراق خليجية' عدد من الشخصيات المصرية عن مواقف السعودية الأخيرة ففي رأي السفيرهاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون العربية فإن المملكة العربية السعودية باتت اليوم في طليعة الواقفين الي جوار مصر سواء عبر الدعم السياسي أو الدعم المالي أو الدعم المادي أو الدعم المعنوي وهو أمر يحظي بالتقدير الواسع سواء علي المستوي الرسمي أو الشعبي وحول دلالات هذا الموقف السعودي المتميز يري أنه يعكس بوضوح عودة الي فكرة قيادة العالم العربي بقيادة قطبيه الرئيسيين مصر في أفريقيا والسعودية في المشرق فهما جناحا الأمة القادران في حال استعادة التنسيق والتحالف الاستراتيجي بينهما عليضبط أي خلل في في منظومة الوطن العربي معربا عن بالغ شكره لهذه المواقف والخطوات العملية التي تقدمها القيادة السعودية لمصر في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها معتبرا أن ذلك من شأنه أن يدفع باقي الأطراف العربية الي الاقتداء بها مطالبا بعدم تجاهل ما قدمته أطراف عربية وخليجية لمصر في فترة سابقة فكله يصب في مصلحة مصر وشعبها بالأساس ويعتبرالسفير هاني خلاف قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز بإرسال ثلاثة مستشفيات ميدانية بكامل أطقمها من أطباء وفنيين ومعدات مجسدا لمشاعر فياضة وعميقة تجاه مصروشعبها وتعكس في الوقت نفسه ترجمة لكلمته التي وجهها يوم الجمعة الماضية والتي أكد فيها حرص المملكة علي تقديم الدعم الكامل الي مصر وفيما يتعلق بالدلالات السياسية للمواقف السعودية المساندة لمصريوضح الدكتور جعفر عبد السلام استاذ القانون الدولي والأمين العام لرابطة الجامعات الاسلامية أنها تعكس ترحيب القيادة السعودية بالتغيير الذي شهدته مصر في الثلاثين من يونيو الماضي وتؤشر الي أنها لم تكن تشعر بالرضا عن التغييرات التي أتت بجماعة الإخوان المسلمون الي السلطة في الفترة الماضية ورأت من ثم ألايكون دعمها للنظام الجديد مقتصراعلي البعد السياسي رغم أهميته وإنما لابد أن تكون هناك خطوات واجراءات عملية وهو ما يتجلي في تقديم مساعدات مالية واقتصادية بقيمة5 مليار دولار فضلا عن قرار إرسال المستشفيات الميدانية الثلاث التي يؤكد أنه قرار انساني بالضرورة ويعكس شعورا بالواجب تجاه مصر وشعبها في إطارروابط الإخوة والاسلام التي تربط بين البلدين الشقيقين والشعبين ولاشك انها تستوجب التعبير عن الشكر والامتنان لها, ويري الدكتور جعفر عبد السلام أنه بحكم أن المملكة هي التي تقود منظومة مجلس التعاون الخليجي فإن مواقفها تجاه مصر ستحفز دول المجلس الأخري وبعضها بدأ بالفعل في تقديم مساعدات- الي إعلان وقوفها ودعمها الكامل حتي تنجلي الغمة وتتجاوز مصر محنتها وبدوره يؤكد محمد عبد النعيم رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات حقوق الأنسان المصرية أن أهمية الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين بشأن مصر تكمن في أنها تجسد موقف أكبردولة خليجية بل تعد قائدا لمجلس التعاون الخليجي وهي تنطوي علي تأكيد واضح بالانحياز لخيارات الشعب المصري بعيدا عن مؤامرات الإرهاب ومسانديه خاصة من القوي التي تزعم أنها تحاربه وقادت من أجل هذه الزعم حروبا في المنطقة ثم يثبت الآن أنها لاتتواني عن دعمه في مصر لأنه يصب بوضوح في تحقيق مصالحها وذلك يجردها من كل دعاوي الحرب علي الإرها ب ويدعو عبد النعيم الي عقد اجتماع عاجل لمجلس التعاون الخليجي لبحث الأوضاع في مصر ويتبني مجموعة من الخطوات الرامية الي تهديد الدول والأطراف الخارجية التي تساند الإرهاب بأنها إن لم تتوقف فستقوم هذه الدول بسحب استثماراتها في هذه الدول وكذلك سحب أموالها من البنوك الغربية والإسراع بتقديم العون لمصر معربا عن أمله في أن تتوافق دول المجلس في هذه الخطوات ولاتخرج إحداها عن الخط العام الخليجي المساند لمصر في حربها علي الإرهاب واستعادة استقرارها وأمنها وخيارات شعبها التي كادت أن تسرق خلال عام من حكم الإخوان المسلمين. وبدوره عبرمجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية السعودية للتآخي والتواصل بالقاهرة بكامل هيئته من الوزراء والعلماء والسفراء ورجال الإعلام والقضاء عن تقديره الكامل للرسالة' المضيئة المشرقة المبهرة' التي تفضل بتوجيهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلي قيادة وشعب مصر.. وهي تجتاز مرحلة دقيقة تواجه فيها الإرهاب الأسود من لدن شرذمة مارقة حاقدة جاحدة تناصب الدين والوطن والإنسانية أبشع العداء وعبر المجلس في بيان تلقت أوراق خليجية نسخة منه عن قناعته بأن هذهالرسالة الكريمة من حكيم العروبة والإسلام جاءت بردا وسلاما وبلسما يداوي الجراح.. ويشد من عضد مصر ويقوي من شوكتها في مواجهة أعداء الداخل والخارج وصرح المستشار عبد العاطي الشافعي أمين عام الجمعية أن وفدا يمثلها سيقوم بزيارة الرياض خلال أيام لتقديم الشكر إلي خادم الحرمين الشريفين وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية نيابة عن شعب مصر. وفيما يتعلق بالمستشفيات الميدانية الثلاث فقد بدأ الاول العمل بالفعل أمس الأول وفقا لتأكيدات أحمد بن عبدالعزيز قطان سفير السعودية بالقاهرة ومندوبها الدائم لدي جامعة الدول العربية السفير أحمد بن عبدالعزيز قطان وكان المستشفي الميداني الثاني قد وصل الي القاهرة يوم الخميس الماضي وهو من مستشفيات الحرس الوطني, ويتضمن غرفتي عمليات وغرفة للأشعة وغرفة للإفاقة والعناية المركزة ووحدة تعقيم ومختبر وصيدلية وغرفة إنعاش طوارئ مهيأة بكافة الأجهزة اللازمة للتدخل والإنعاش السريع بالإضافة لغرفة عيادات مستعجلة ووحدة للفرز لحالات الكوارث ووحدة تمريض داخلي للحالات الأقل خطورة والمتابعة, ويتسع لعدد يترواح بين50 و80 سريرا.ومن المنتظر أن يصل المستشفي الميداني الثالث خلال أيام