استوقفني طلب أحد السادة مقدمي البرامج بقناة فضائية مصرية من أبناء الشعب المصري جمع توقيعات مناهضة للتوقيعات التي يجمعها أنصار الرئيس المعزول بموقع الكتروني يحمل عنوان المحكمة الجنائية الدولية بغرض إحالة القائد العام للقوات المسلحة لهذه المحكمة. ومع عظيم تقديري للحس الوطني للسيد المذيع, فإنني أري أن تضخيم الأمور علي هذا النحو قد يفضي إلي نتائج عكسية. إن التحدث عن ارتكاب الجيش المصري لجرائم تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو شيء من قبل اللغو, ولا يمكن أن يصدر عن مصري مخلص لوطنه. وعلي الرغم من محاولتي التمسك دائما بالحياد القانوني وتجنب الولوج في صراعات تحركها دوافع سياسية, فإن قراءتي لما تضمنه الموقع الالكتروني الذي أشار إليه السيد المذيع من قدح في جيش مصر العظيم وشعبها بما يخالف أبسط مظاهر الوطنية, حرك في نفسي حس الغيرة علي هذا الوطن العظيم المستهدف من قبل أعدائه, ودفعني إلي كتابة هذه السطور. وقبل الخوض في تفصيلات هذا الموضوع أود الإشارة إلي أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا ينعقد إلا علي الدول الأطراف المصدقة علي نظامها الأساسي ومصر دولة غير طرف فلا اختصاص لهذه المحكمة عليها. مع الإشارة إلي أنه يمكن فقط في حالات استثنائية أن ينعقد اختصاص المحكمة بنظر قضايا خاصة بدول غير أطراف إذا تمت إحالتها إليها من قبل مجلس الأمن علي النحو الذي تم بالنسبة للوضع في ليبيا حين قتل النظام الليبي السابق أبناء شعبه بدم بارد باستخدام الطائرات والأسلحة الثقيلة. هذا وقد شاهدنا العديد من المحاولات لإحالة الوضع في سوريا إلي المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن, ألا إنها باءت جميعا بالفشل لاستخدام روسيا والصين حق الفيتو, علي الرغم من وجود دلائل واضحة علي ارتكاب جرائم دولية جسيمة علي الإقليم السوري. هذا وقد عرف عن قادة الجيوش المصرية منذ القدم احترامهم لقواعد وأعراف الحروب وقواعد الاشتباكات المسلحة. وهذا الاحترام لا ينبع فقط من احترامهم للقوانين والأعراف الدولية, بل أيضا من قيمهم الحضارية وثقافاتهم الدينية التي تدعو للرحمة والتسامح حتي مع الأعداء. ودليل علي ذلك ممارسات القوات المسلحة المصرية خلال الحروب التي خاضتها بمختلف العصور ومعاملة الجنود المصريين لأسري الحرب والمدنيين وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني. ومن الجدير بالذكر أنه طبقا للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية, لا تنطبق أحكام هذا النظام علي حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية, كما أنه يكون دائما لسلطات الدولة الحق في حفظ وإقرار القانون والنظام وأيضا الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية, بجميع الوسائل المشروعة. وإذا لجأت الجماعات أو التنظيمات إلي استخدام العنف لإثارة الرعب والفزع بين الناس بغرض الضغط علي الدولة لتحقيق أهداف سياسية, خضعت لمنظومة الإرهاب الدولي, وينطبق هذا جليا علي المشهد المصري بعد أن أعلن قادة تلك الجماعات المسلحة صراحة رغبتهم في حرق مصر وزعزعة استقرارها بهدف إثارة الرعب والفزع بين المواطنين, خاصة إذا ثبت ارتباط أفراد تلك الجماعات بالتنظيمات الإرهابية في سيناء أو خارج أرض الوطن, وذلك يستلزم من سلطات التحقيق إبراز الطريقة المنظمة والمنهجية التي يتم بها ارتكاب جرائمهم, وارتباطاتهم التنظيمية, من خلال استراتيجيات تحقيق شاملة ومدروسة تربط الوقائع بعضها البعض. وفي حقيقة الأمر, إذا نظرنا إلي الوضع الراهن علي الساحة المصرية سوف نتبين بلا عناء ارتكاب جماعات العنف المسلح المناصرة للرئيس المعزول أفعالا ترقي إلي مرتبة الجرائم ضد الإنسانية, فقائمة الجرائم المنسوبة لهم باتت طويلة تستحق التوثيق والعرض بطريقة صحيحة علي الرأي العام العالمي. ومن قبيل ذلك استهداف الأخوة المسيحيين بالقتل واستهداف دور عبادتهم بالحرق والتدمير بطريقة ممنهجة وعلي نطاق واسع, علي النحو المعاقب عليه بالمادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. أضف إلي ذلك ما أثير من وقائع استهداف المدنيين بالقتل والتعذيب من قبل معتصمي النهضة ورابعة العدوية, وكذا استخدام النساء والأطفال كدروع بشرية, واستغلال الأطفال والاتجار بهم وتعريضهم للخطر, والقتل العشوائي للمدنيين وأفراد الشرطة بدون تمييز, وكلها أفعال تندرج أيضا تحت طائفة الجرائم ضد الإنسانية. وأود أن أشير هنا إلي خطأ يقع فيه بعض السادة مقدمي البرامج الإخبارية بإطلاقهم وصف الميليشيات المسلحة علي تلك الجماعات بما يعنيه هذا من خضوعهم لأحكام اتفاقية جنيف لعام1949 وبروتوكولها الإضافي الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية بما يمهد الطريق للتدخل الدولي. كما إنني أود التذكير أنه في حالة ضبط أجانب علي الأراضي المصرية يحملون السلاح أو يشاركون في أعمال العنف فإنه يجب أن يتم التعامل معهم كمرتزقة يخضعون للقوانين العسكرية الخاصة, أو لقوانين مكافحة الإرهاب في حالة ارتكابهم أعمالا إرهابية. وأود في الختام أن أشير إلي أنه يؤلمني توصيف هذه الطائفة من الجرائم ضد فصيل من بني وطني, مع إيماني بأن العنف والعنف المضاد لا يمكن أن ينتج عنه خير للبلاد أو العباد, ومن ثم فقد وجب الآن وقف كافة حملات التحريض وخطب الكراهية, وتحكيم العقل والمنطق, والتمسك بقيم التسامح, والجلوس علي مائدة الحوار بهدف إصلاح ذات البين ووقف العنف الذي لا يخدم سوي مصالح أعداء الوطن, مع تجنب التعميم في كيل الاتهامات لعدم تعميق هوة الخلاف. وحان الوقت للالتجاء إلي آلية وطنية محايدة ومستقلة تجمع حكماء هذا الوطن المفوضية العليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لاحتواء الموقف ومعالجة حالة الاحتقان التي يشهدها المجتمع تمهيدا لتطبيق آليات العدالة الانتقالية. لمزيد من مقالات المستشار.عادل ماجد