يثير مشهد مشرحة زينهم كثيرا من التساؤلات بعد أحداث رابعة العدوية والنهضة و15 مايو ثم رمسيس أخيرا, حول إمكانات هذه المشرحة التي فوجئت بورود نحو700 جثة خلال ساعات رغم انخفاض امكاناتها وعجزها عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة فطاقتها لا تتعدي مائة ثلاجة. مما جعل الاسعاف تترك هذه الجثث في عهدة أصحابها أحيانا مما أدي إلي انبعاث روائح كريهة والاستعانة بأكياس وألواح الثلج لحفظها فبادرت وزارة العدل بتزويدها بثلاجة جديدة وأخري من وزارة الدفاع.. إلا أن ذلك لا يكفي مع ضعف امكانات المشرحة وقلة أطباء التشريح والأدوات البدائية والمساعدين مع عمل متصل ليل نهار. يؤكد الدكتور مجدي المليجي أستاذ الطب الشرعي أن هذه الأعداد الكبيرة من الموتي تعتبر حالة نادرة في تاريخ عمل المشرحة التي تغطي منطقة القاهرة الكبري خاصة إذا علمنا أن كل جثمان يرافقه20 فردا من أسرته فإن الأحوال متأزمة بالفعل في انتظار توقيع الكشف عليه بينما الكثيرون يفرغ صبرهم ويثيرون الاحتجاجات علي الأطباء لدرجة الاعتداء عليهم فهناك نحو50 سيارة اسعاف اتت في أوقات متقاربة بأعداد من الجثث بينما يتم توقيع الكشف والتشريح بنحو10 جثث في وقت واحد مع انخفاض عدد الاطباء والمساعدين, فهناك4 صالات للتشريح ومتوسط الاستيعاب لا يتعدي50 جثة وهذا ما أحدث خللا رهيبا لأن الميت يحتاج للحفظ في درجة حرارة4 5 درجات مئوية حتي يتحمل الانتظار بحد أقصي6 أشهر ولا يجب أن تتعدي شهرا واحدا لأن الجسد يبدأ في التحلل تلقائيا في الفترة التالية ثم التعفن وهذا ما تعاني منه المشرحة في عملها العادي بالنسبة للجثث المختلف عليها أو التي لاتعرف شخصية صاحبها. وأشار إلي أن عمل الطبيب في المشرحة يمر بمراحل متعددة فالجثة الواحدة تحتاج علي الأقل إلي ساعة كاملة أو أكثر في عملية التشريح وكتابة التقرير والصفة والسمات العامة للجسد ونوع الذخيرة وأماكن نفاذها وزاوية الاصابة سواء أفقية أو رأسية أو سفلية للتسهيل علي النيابة كيفية الاصابة لأن الكشف الطبي لا يكون إلا من خلال إذن النيابة أو طلب منها في جميع الحالات, فإذا تم غير ذلك لا يكون هناك تصريح بالدفن, وإعطاء شهادة الوفاة وهذا هو المتبع في كل الحالات أما إذا قام أحد الأشخاص كما حدث مع الحالات التي نشر عنها بقيام الاخوان بدفن الموتي دون تصريح فسوف يتعرض من يفعل ذلك للمحاكمة حتي بعد زمن لإنها جريمة, وتفقد الورثة حقهم قانونا لان شهادة الوفاة في هذه الحالة هي الفيصل. خبرات الطبيب وأشار أستاذ الطب الشرعي إلي أن طبيب التشريح لديه خبرات كافية لتحديد الإصابة وسبب الوفاة وهي في الظروف الحالية تصل الي طلق ناري بنسبة90% علي الأقل إضافة للخرطوش, ويمكن للطبيب أيضا أن يحدد درجة الإصابة والسلاح المستخدم فإذا كانت الطلقة من مكان قريب جدا يمكن تحديدها بسهولة بما لايزيد علي مترين أما أبعد من ذلك من3 أمتار حتي200 متر فإن درجة الإصابة تكون متقاربة ولكن تختلف في العيار من بندقية آلية أو مسدس, وتختلف في حالة الدخول والخروج وغالبا ما تكون رصاصة المسدس مستقرة بالجسم فنقوم باستخراجها لمساعدة النيابة في تحريك القضية, وأضاف د.مجدي المليجي أن التشريح يخدم بالدرجة الأولي عمل النيابة والبحث الجنائي, ولكن هناك أخطاء ترتكب في هذه الأيام إذ ان المواطنين يأخذون فارغ الطلقات من المسدسات أو البنادق من موقع الضرب وربما يضيع ذلك بعض معالم الجريمة فيجب ترك كل مخلفات الرصاص للمساعدة في بيان مؤشرات العدوان والاعتداء ذلك لأن المواطنين ليس لديهم وعي بخطورة هذا العمل وهي من صميم الطب الشرعي وعمل النيابة معا لأن الطلقة في شكلها وقوتها مدخل ومخرج تكشف البعد عن السلاح, مع الكشف علي العظام وخاصة عظام الرأس والجمجمة ويظهر فيها جدا نوع السلاح من طبنجة8 أو9 مللي أو بندقية بدرجة فتحة مضاعفة وفي جميع الأحوال فإن فارغ الرصاصة هو الفيصل للأدلة الجنائية فإذا ببعض الناس يلقونه في القمامة أو يحتفظون به للذكري, ولا يعرفون أن لكل سلاح بصمة تحدد بشكل كبير السلاح المستخدم وحتي لا يضيع حق المقتول وأكثر من ذلك نجد حتي المخبرين السريين يحملون الأسلحة المتخلفة عن المعتدين أو زجاجات المولوتوف بأيديهم والمفترض أن يضعونها فورا في أكياس لرفع البصمات وهذا ما حدث في مسجد الفتح فالذين استخدموا هذه الأسلحة كانوا موجودين بالفعل بالمسجد وكان يمكن أن يتحدد المتهمون وحتي لا نظلم الآخرين ويكون الاتهام مفتوحا. وأشار إلي أننا نلاقي بعض اعتراضات الاهالي حول تشريح الجثة ولكن هذا ليس لصالحهم فنحن نقوم بخياطة الجثة مرة ثانية قبل تسليمها لذويها. ملامح المحروق وأشار استاذ الطب الشرعي إلي أن عمل طبيب المشرحة وخبرته تساعده في تحديد كثير من الملامح الذين ماتوا حرقا كما حدث برابعة العدوية فمن خلال العظام المتبقية وبالأجهزة الحديثة يمكن أن يحدد عمر المتوفي تقريبا كما أن حجم العظام واعوجاجها يؤدي الي تحديد نوع الميت رجلا أو سيدة مع الاستعانة ببعض الصفات من الملامح العامة للجسم من خلال أسماء المفقودين وعن طريق وجود دبلة أو خاتم إضافة لعلامات الاصابات من تعذيب أو قتل بالرصاص أو خرطوش أو غيره لأن كل منها له تأثيره علي الجسم حتي ولو كان محترقا وفي حالة الجهل بشخصية المتوفي فإن الطبيب يكتب كل صفاته الجسدية في تقديره ويصوره مع بيان وظروف اصابته ويحتفظ به في الثلاجة لمدة شهر فإذا لم يسأل عنه أحد تصرح النيابة بدفنه خاصة في مثل الظروف الحالية التي تعاني فيها المشرحة من التكدس ولكن الذي يعيب هذه المشكلة انه لا يجري الكشف عن الDNA للميت لأنه مكلف لأن هذا ما يتبعه العالم المتقدم في الوقت الذي مازالت فيه إمكانات مشرحة زينهم ترجع للقرن ال19 مع بداية هذا العلم فالدول تحترم هذا العلم وتتقدم يوميا فيه بينما عندنا الطبيب في هذا التخصص يعمل موظفا لدي وزارة العدل ولا يتساوي رغم أهمية عمله الشديدة بالمستشارين والقضاة ورجال النيابة وهو ما يجعله يتلقي مرتبا متواضعا بينما هو في الدول المتقدمة يعامل أفضل من المستشار بالمحكمة من حيث المنصب والمراتب, لذلك فإننا لكي نحافظ علي قيمة ونزاهة الطبيب الشرعي حتي لا يخضع لمؤثرات تجبره علي التزوير أو الرشوة. الدراسات المتقدمة أما الدكتور أحمد السجيني أستاذ الطب الشرعي فيؤكد أن طبيب الطب الشرعي ينقصه الكثير في عمليات التشريح ذلك لأنه موظف ولا تتاح له دراسات متقدمة واستخدام أجهزة أحدث من تلك البدائية التي نعيش عليها وهو يعتمد علي الممارسة فقط. لذلك فإن المشرحة يجب أن تخرج من كونها في مستوي دار للجزارة إلي إمكانات تهتم بالطبيب, فهو يدخل صالة التشريح ويكون المتوفي في حالة سيئة من الروائح قد توجد أجهزة لحماية الطبيب من الروائح أو غيرها مما قد يصيبه بالأمراض, وفي نفس الوقت فإن هناك ضرورة لفتح فرع آخر لمشرحة زينهم بمدينة نصر مثلا, فليس معقولا أن نجمع جثث الحوادث بالقاهرة الكبري في مكان واحد. كما أن إمكانات المشرحة بسيطة للغاية فلا يوجد سوي المقصات والمشارط إضافة الي اشعة اكس فقط وليست هناك أشعة مقطعية مثلا أو أي نوع آخر وهذا عبء كبير علي التشريح لكل أجزاء الجسم فمازلنا نستخدم منشار النجار في التعامل مع عظام الميت, بينما لا تتوافر المواد الكيماوية الأساسية المهمة في كشف السموم ومحتويات المعدة التي تتجه الي المعامل لفحص وتحليل أنسجة المقتول بالسم.