الدكتور محمد نبيل غنايم المفكر الإسلامي الكبير وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة يعد من أبرز رجال الفكر الإسلامي في مصر الذين يشتهرون بالاعتدال والوسطية وعدم التطرف في احكامه وفتاواه مما أهله ليكون من القلائل الذين يتابعهم الناس سواء في التليفزيون أو الإذاعة أو الصحافة للاستفادة من آرائه أو أفكاره وأحكامه. في حواره ل"الأهرام" تحدث الدكتور محمد نبيل غنايم عن رأيه فيما يحدث بمصر الآن من صراع سياسي عنيف.. ودور الدولة في تحقيق المصالحة الوطنية للخروج من هذا الصراع, كما أبدي رأيه حول ما يقوم به الأزهر في إنجاز هذه المصالحة ولماذا فشلت تجربة حكم الإسلام السياسي في مصر إضافة إلي جميع المسائل الفقهية المطروحة الآن علي الساحة تمر مصر حاليا بظروف سياسية صعبة في ظل التناحر بين العديد من القوي السياسية والحزبية.. كيف تري المشهد السياسي الآن؟ المشهد السياسي والأمني في مصر الآن وكما نراه ونلمسه يمثل ألما شديدا من الناحية النفسية لنا وأيضا لغالبية الشعب المصري بالطبع ذلك لأنه عندما لبي الشعب دعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع بتفويض القوات المسلحة بمهمة مكافحة الإرهاب والعنف وبصورة أبهرت العالم كله قام الطرف الآخر الذي أسقطه الشعب برفض هذا التفويض رغم إسقاط الرئيس محمد مرسي وحكمه ووزارته ودعا إلي مناوشات ومصادمات عنف مع الجيش والشرطة وقع خلالها المئات من القتلي والمصابين, وللأسف سال الدم المصري بأيدي مصريين, وهذا شيء مؤلم علي النفس خاصة ونحن نري أشلاء الجثث في كل مكان فضلا عن سقوط ضحايا ونشوب حرائق في القاهرة والمحافظات, وكنا لا نود أن نري ذلك, وأن تسفر نتائج ثورتي25 يناير و30 يونيو عن هذه المآسي والكوارث المفجعة التي لم تشهد مصر لها مثيلا من قبل. في ظل هذه الأوضاع الصعبة تطرح رئاسة الجمهورية والأزهر مسألة المصالحة الوطنية كمخرج من الأزمة.. ما رأيك؟ لابد من إنجاح المصالحة الوطنية التي دعت إليها رئاسة الجمهورية والأزهر ولن يتم ذلك إلا باقتناع جميع الأطراف, خاصة مختلف الفصائل والحركات الإسلامية بحتمية هذه المصالحة لتحقيق السلامة والامان لربوع الوطن, كما أدعو أن تقوم الدولة بإصدار عفو عام علي جميع الذين تم القبض عليهم وثبت عدم تورطهم في جرائم تضر بأمن مصر ومصالحها واستقرارها, وقد دعانا المولي عز وجل للعفو عند المقدرة وقال تعالي: لا خير في كثير من نجواهم إلا ما أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما( صدق الله العظيم) وليكن لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم مثلا وقدوة عندما فتح مكة وأصدر عفوا عاما علي أهلها وقال لهم قولته الخالدة اذهبوا فأنتم الطلقاء. وإذا كان أمامنا أطراف رافضة للمصالحة والحوار فلا ينبغي أن نيأس وأن نتحلي بالصبر عليهم وأنا أدعو حكماء مصر من جميع الأطراف ومعهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لبذل كل الجهود لإنجاح المصالحة الوطنية وأدعو لهم من كل قلبي بالنجاح والتوفيق في مهمتهم التاريخية التي هي في صالح مصر وشعبها. لماذا فشلت تجربة حكم الإسلام السياسي في مصر؟ في رأيي الخاص أن تجربة الإسلام السياسي رفضها الشعب ولم تنجح في مصر لأننا في مصر أمة نحب التدين منذ قديم الزمن ومشكلة الجماعات الإسلامية عندما وصلت إلي الحكم في مصر بعد ثورة25 يناير هو الطرح السياسي والديني لأفكارها ومعتقداتها لأنه لابد من مراعاة التدرج في هذا الطرح خاصة أن مصر عاشت زمنا طويلا نظام الحكم فيها إما مدني أو عسكري. لاحظنا خلال الأزمة السياسية للوطن محاولة بعض القوي والأطراف الخارجية التدخل لصالح طرف عندنا علي الآخر.. لماذا هذه الظاهرة؟ مصر لها ثقل سياسي وتاريخي وديني كبير علي المستويات الرسمية والشعبية في جميع الدول العربية والإسلامية وهو ما يدفع الأطراف العربية والاقليمية إلي محاولة التدخل في الأزمات الداخلية المصرية خاصة إذا حاولت الأطراف المصرية التقوية من الخارج لمواقفها, ولكن الشعب المصري بتاريخه العريق كان دائما يرفض أن يتدخل أحد مهما كان في شئونه الداخلية لأنه يتصف بالعزة والكرامة وعلي جميع الأطراف السياسية والدينية أن تعي ذلك وتستفيد من تجارب ودروس التاريخ. برز مؤخرا دور الأزهر كداعية للسلام وعدم الاقتتال هل يستمر هذا الدور بعد الأزمة؟ الأزهر معروف للجميع أن دوره يتصف بالوسطية والاعتدال عبر التاريخ وفي كل الأزمات التي مرت بنا في مصر, ومن هنا فلابد من استمرار هذا الدور المشرف دوما ولا يتوقف هذا الدور علي شخصية الإمام الأكبر وقد رأينا بعد ثورتي25 يناير و30 يونيو كيف قام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بجهود كبيرة في محاولة رأب الصدع السياسي والوطني, وطرح مبادرات مشكورة للمصالحة بين جميع الأطراف ونحن نتمني النجاح والسداد له. هل يجوز ما رأيناه مؤخرا من قيام بعض الدعاة والأئمة باستغلال المساجد في الدعاية لاحدي الجماعات؟ لا يجوز لأي داعية أو إمام مسجد أو أي شخص يعمل في دار عبادة أن يستغل مكانه ويتحول إلي بوق دعاية لأي حزب أو جهة من فوق منبر المساجد لأن هذه المساجد لعبادة الله وحده, ولا يجوز استخدامها لخدمة أغراض البشر. في شهر رمضان تتكاثر الإعلانات عن المؤسسات والهيئات التي تدعو الناس لاخراج الزكاة والصدقات لها لانفاقها في مشروعات الخير كالعلاج والطعام والملابس هل يعطيها الناس الزكاة أم للمواطن الفقير المستحق؟ أري أنه علي الممول أو الذي يعطي الزكاة أن يراعي المصارف التي ذكرها المولي عز وجل في سورة التوبة حيث يقول انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله, وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم. ولذلك فإن الأولوية للفرد المسلم الفقير لأنه أساس المجتمع ويحتاج للدعم والمساندة ثم نعطي الهيئات والمؤسسات بعد ذلك لإنفاقها في أغراض الخير.