رغم أنني كنت افضل الامتناع عن التعليق او المزاحمة في هذا الموضوع الشائك, حتي لا أزيد من صب الزيت علي حريق يتزايد, فإنني أرجو أن تتسع صدوركم, لما سيأتي بيانه, فلا خير في إن لم أقلها.. بصراحة شديدة, رغم ثقتي المطلقة في القوات المسلحة المصرية, فإنني لم أشعر بالارتياح لدعوة الفريق أول السيسي التي طالب فيها الشعب المصري بالاحتشاد لتفويضه, وأكاد اشتم رائحة الجزائر.. لا يمكن القبول او السماح باستبداد عسكري أو إجراءات استثنائية.. الصراع المدني قد يطول, ولكنه وحده المضمون لبناء الدولة الحديثة, ومهما كلفنا ذلك من ألم.. ذلك ما أفكر فيه الآن.. ما يؤرقني هو انه ربما كان المطلوب هو البحث عن غطاء سياسي لإجراءات عنيفة ضد المعارضين, وذلك لا أرضاه من حيث المبدأ.. وربما يطول الصراع المدني ولكنه أفضل من إسالة المزيد من الدماء أو فرض أحكام عرفية والتمهيد لدولة بوليسية.. ثم ما هي طبيعة التفويض الذي طلبه السيسي؟.. أنا بصراحة غير مقتنع باي شيك علي بياض لأي مخلوق.. ثم أليس غريبا ومستهجنا أن يطلب ذلك في وجود الرئيس المؤقت والحكومة؟.. ربما كان من الأفضل أن يكون الإخراج بإصدار بيان من مجلس الوزراء يحذر باتخاذ إجراءات أشد في مواجهة تزايد العنف.. غير معقول أن يدعو وزير الدفاع إلي مظاهرة.. في26 ديسمبر1991 أجريت الانتخابات التشريعية في الجزائر, وفازت بها بأغلبية ساحقة وصلت إلي82% ب188 مقعدا من اصل231, وفي11 يناير1992 أعلن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد استقالته فجأة من رئاسة الدولة بضغط من العسكريين, واتبع ذلك انتقال السلطة إلي المجلس الأعلي للدولة الذي كان في يد العسكريين برئاسة وزير الدفاع خالد نزار الذي اتخذ يوم12 يناير1992 قرار إلغاء الانتخابات واتبع بإعلان حالة الطوارئ, علي أساس أن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ هو تهديد للتجربة الديمقراطية الفتية, خصوصا بعدما كانت الجبهة قد أبدت رغبتها في إدخال كثير من التعديلات علي الدستور ليوافق الرؤية الإسلامية للحزب, إضافة إلي استغلال الخطاب العنيف والتحريضي لبعض رموز الحركة خصوصا من الذين التحقوا بالجبهة بعد عودتهم من الجهاد في أفغانستان والذين كانوا تبنوا الاتجاه الصدامي مع الدولة نتيجة ما حدث قبل الانتخابات من مضايقات للحزب, وهو ما استغله النظام ضد الجبهة الإسلامية لتخويف الشعب مما قد يحدث بعد استلامهم للحكم. قاد إعلان حالة الطوارئ في الجزائر إلي شن حركة كبيرة من الاعتقالات في أوساط نشطاء الحزب حيث تم اعتقال آلاف المواطنين في بضعة أيام فقط وكان أغلبهم من أعضاء جبهة الإنقاذ إضافة إلي عدد غير محدود من المواطنين العاديين الذين لم يكونوا ينتمون لأي تنظيم سياسي, وسجن هؤلاء في السجون والمعتقلات, خصوصا التي تقع في الصحراء مثل معتقل رقان وعين امقل, وقد أدي كل ذلك إلي إعلان الكثير من نشطاء الجبهة للجهاد ضد النظام العسكري وصعودهم للجبال حيث كونوا هناك تنظيما عسكريا أطلق عليه الجيش الإسلامي للإنقاذ. كل تلك التطورات الخطيرة مهدت للحقبة الدموية التي مرت بها البلاد مخلفة وراءها أكثر من200 ألف قتيل وخسائر مادية بمليارات الدولارات ناتجة عن التخريب الكبير الذي مس البنية التحتية, إضافة إلي تعطل وركود الاقتصاد, وتعطل لكل مجالات الحياة. البدايات تنبئ عن المالات وعظيم النار من مستصغر الشرر.. وربما لأنني حاربت في صفوف القوات المسلحة ضد العدو الإسرائيلي, فإنني لا أرضي لتلك المؤسسة العريقة أن تتورط في إراقة الدم المصري, مواجهة الإرهاب لا تحتاج دعوة لحشد الناس تصدر من وزير الدفاع, وإنما بوضع خطة أمنية محكمة تتعامل مع هذه الظاهرة أمنيا وسياسيا وفكريا.. ومن ناحية أخري, ليس من الحكمة في المواجهة أن نشيطن فصيلا يضم عشرات الآلاف من أبناء الوطن, وإذا كان صحيحا أن بعض قياداته فاسدة, فإن الجهد ينبغي أن يتركز لجذب باقي أعضاء هذا الفصيل بعيدا عن العنف, ولا أظن ان تفويضا مفتوحا للجيش يحقق ذلك, بل أخشي أن يؤدي إلي زيادة الاستقطاب وحدة المواجهة في ظل أوضاع واقعية تسمح بحالة فوضي شاملة, ثم ينبغي ألا ننسي أننا خضنا صراعا مدنيا سلميا ضد استبداد حكم الإخوان, وتحقق لنا إنجاز30 يونيو.. فكيف نرضي استبدال استبداد باستبداد آخر؟.. أخيرا.. تصوروا الحال لو أن السيسي استجاب للرئيس السابق أو بعض حوارييه, وواجه مظاهرات30 يونيو بالقوة؟.. إذا رضينا بالاختباء خلف الدبابة للقضاء علي خصوم, فلا ضمان لأن تتحول ماسورة نفس الدبابة في اتجاهنا مستقبلا.. هذه رؤيتي, وربما كما أتمني أكون مخطئا. لذلك.. فرغم موقفي المخالف للإخوان سياسيا وفكريا, ورغم اعتراضي علي تبني بعض قياداتهم لسياسة التخويف والإرهاب, فإنني لن أرضي بتوظيف القوة في مواجهة تجمعاتهم السلمية, علما بأنني أتبني الدعوة لمصالحة وطنية شاملة دون إقصاء أو استعلاء, وهي الدعوة التي تجد استجابة معقولة من بعض أبنائنا من شباب الإخوان.. وأجد نفسي في النهاية مضطرا ان أذكركم بما قاله مارتن نيمولر: في ألمانيا عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أبال لأنني لست شيوعيا, وعندما اضطهدوا اليهود لم أبال لأنني لست يهوديا, ثم عندما اضطهدوا النقابات العمالية لم أبال لأني لم أكن منهم.. بعدها عندما اضطهدوا الكاثوليك لم أبال لأني بروتستنتي.. وعندما اضطهدوني.. لم يبق أحد حينها ليدافع عني.. أو باختصار عربي بليغ: لقد أكلت عندما أكل الثور الأبيض.. لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق