لقد وضع الإسلام نظاما وسطيا يحمي الإنسان من الأزمات ويعينه علي مواجهتها والتصدي لها, وينهاه أن يقف مكتوف الأيدي تجاه تلك الأزمات, فنحن في شهر الخير والبركة ليتنا ندفع الإسراف والتبذير وننتهج منهج الاعتدال والوسطية متخذين من شهر الصيام نبراسا نستضيء به. فالمنهاج الإسلامي القائم علي الإيمان بالله, ووحدانيته, وتنزيهه, وإفراده سبحانه وتعالي بالعبادة هو وحده الذي يضمن للبشر أن يواجهوا ويتخلصوا مما يطرأ علي حياتهم من أزمات ومشاكل, فهذا المنهج هو المنهج الوسط الذي لا إفراط فيه, ولا تفريط, ولا غلو, ولا تقصير. ووسطية أهل الإسلام المستقيمين علي هديه تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها, ومطالب الآخرة والعمل لها, والأخذ بالأسباب المؤدية إلي ذلك دون إفراط أو تفريط, ودون إسراف أو تقتير, قال تعالي: ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا,الإسراء:29] وقال سبحانه: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين( القصص: الآية77). يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل, والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات.. ولا تنس نصيبك من الدنيا, أي مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب, والملابس والمناكح, فإن لربك عليك حقا, ولنفسك عليك حقا, فالإسلام دين وسط بين من غلا في أمر الدنيا ولم يهتم بالآخرة, وبين من غلا في أمر الآخرة, ونظر إلي الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد واحتقار. ولكن مع تطور الحياة واتساع ظروف المعيشة ومتطلباتها هناك أزمة اقتصادية تواجه الكثير من الناس, فما مبعثها وسببها وكيف يواجهها الإنسان؟ وحاليا تمر مصر ومنطقة الشرق الإسلامي علي اتساع دائرتها بظروف سياسية غاية في التقيد والتداخل بدأت تعكس آثارها الاقتصادية والمالية السلبية وخاصة بعد ثورات الربيع العربي وما حدث من انفلات أمني في الشارع وانفلات في الأسعار وجودة السلعة, وكذلك يمر العالم أيضا بفترة كساد اقتصادي تنعكس آثارها علي كل دول العالم منذ أن بدأت مظاهرها في السوق الأمريكية ومراكز انسيابها قبل نهاية عام2000 وتمت بعد أحداث11 سبتمبر, وما يحدث في اقتصاد دولة أوروبية كاليونان اليوم مثلا; وهو ما أدي إلي انخفاض مؤشر معدلات النمو فيها. فما أحوجنا إلي ان نتعلم من رمضان درسا نضبط به ميزانياتنا ونعيش عيشة وسطا لا إسراف فيها ولا تقتير مصداقا لقوله تعالي والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما, ولا داعي أبدا لما يفعله بعض الناس من إسراف فاحش في شهر رمضان ويثقلون أنفسهم بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان, ويقعون في التبذير تحت مسمي الرسميات والشكليات وإرضاء للناس, فلا بد أن ندرب أنفسنا علي أن نرضي الله تعالي أولا.