لقد وضع الإسلام نظاما وسطيا يحمي الإنسان من الأزمات ويعينه على مواجهتها والتصدي لها، وينهاه أن يقف مكتوف الأيدي تجاه تلك الأزمات... فالمنهاج الإسلامي القائم على الإيمان بالله، ووحدانيته، وتنزيهه، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة هو وحده الذي يضمن للبشر أن يواجهوا ويتخلصوا مما يطرأ على حياتهم من أزمات ومشاكل. فهذا المنهج هو المنهج الوسط الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير. ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}[الإسراء: 29] وقال سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: الآية 77). يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات.. ولا تنس نصيبك من الدنيا، أي مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا". فالإسلام وسط بين من غلا في أمر الدنيا ولم يهتم بالآخرة، وبين من غلا في أمر الآخرة، ونظر إلى الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد. الأزمة المعيشية ولكن مع تطور الحياة واتساع ظروف المعيشة ومتطلباتها هناك أزمة اقتصادية تواجه الكثير من الناس، فما مبعثها وسببها وكيف يواجهها الإنسان؟ وحاليا تمر مصر ومنطقة الشرق الإسلامي على اتساع دائرتها بظروف سياسية غاية في التقيد والتداخل بدأت تعكس آثارها الاقتصادية والمالية السلبية وخاصة بعد ثورات الربيع العربي وما حدث من انفلات أمني في الشارع وانفلات في الأسعار وجودة السلعة، وكذلك يمر العالم أيضا بفترة كساد اقتصادي تنعكس آثارها على كل دول العالم منذ أن بدأت مظاهرها في السوق الأمريكية ومراكز انسيابها قبل نهاية عام 2000 وتمت بعد أحداث 11 سبتمبر، وما يحدث في اقتصاد دولة أوروبية كاليونان اليوم مثلا؛ وهو ما أدى إلى انخفاض مؤشر معدلات النمو فيها. ففي مصر مثلا نجد أن قرار ترك تحديد قيمة الجنية المصري لقوى العرض والطلب ألقى الكثير من العبء والغلاء على عاتق المواطن المصري. إن سوق العرض والطلب أصبحت أساسا لا بد من الأخذ به عندما يتطلع أي نظام إلى تحرير اقتصاده من قيود مركزية القرار وعندما ينظر إلى خارج حدوده من أجل المنافسة والتسابق نحو الأسواق الخارجية، لكن هذا المنهج لا يحقق أقصى نتائجه المرجوة بلا قواعد وحدود للتعامل تلزم المجتمع والنظام معا التوافق في الحركة والتنسيق للصالح العام. يأتي ارتفاع الأسعار الجزافي في مقدمة الأزمة المعيشية وكأنما أساس تسعير المنتجات والخدمات المصرية وتكلفة اليد العاملة هو الدولار. ولا بد من التوصل إلى سعر مناسب للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي كي يحتفظ المجتمع بتوازنه المعيشي، وكي نحافظ على كياننا على خريطة العالم المزيد من مقالات جمال عبد الناصر