تمر بلادنا في هذه الأيام بأزمات عدة، أزمة في السولار، أزمة في المواصلات، أزمة في الغلاء وارتفاع الأسعار...إلخ، وهذا أمر طبيعي في وقت ما بعد الثورات، حيث الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ومن نظام إلى نظام جديد، فينبغي أن نستحضر ثقافة الأزمة وكيف نواجهها. فينبغي علينا في خضم الحياة التي نعيشها، حيث يواجه المرء صعوبات جمة، من أبرزها: أزمة الاستهلاك، وارتفاع الأسعار، وقلة المؤن، وقلة السولار والبنزين، وضيق ذات اليد، وكثرة المتطلبات مع ضعف معدلات الدخل، وهناك الكثير من الأسر لا تجد قوت يومها، وخاصة في عصر الرأسمالية الطبقية، فالفيصل الذي يحمينا من هذه المصاعب هو التمسك بالأخلاق الإسلامية السليمة والعكوف على القيم الرشيدة التي علمنا إياها ديننا الحنيف، وابتعاث قيم التكافل الاجتماعي من جديد. فمن نعم الله علينا –نحن المسلمين- أن ديننا وضع لنا نظامًا وسطيًّا يحمينا من بطش الأزمات، ويعيننا على مواجهتها والتصدي لها، وينهانا أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه تلك الأزمات... سواء كانت تلك الأزمات لدينا أو لدى أحد من إخواننا مصداقًا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع...". فالمنهاج الإسلامي القائم على الإيمان بالله، ووحدانيته، وتنزيهه، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة هو وحده الذي يضمن للبشر أن يواجهوا ويتخلصوا مما يطرأ على حياتهم من أزمات ومشاكل، ويتصدوا لها بأنكى وأقوى سلاح ألا وهو السلاح العقدي. فهذا المنهج هو الوسطية التي لا إفراط فيها، ولا تفريط، ولا غلو، ولا تقصير، والمقصود هو وسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه التي تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، ودون الارتكان إلى هذه الأسباب أو إهمالها، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: الآية 77). يقول الإمام العلامة ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل، والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات.. ولا تنس نصيبك من الدنيا، أي مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا". فالإسلام وسط بين مَن غالوا في أمور الدنيا ولم يهتموا بالآخرة، وبين من غالوا في أمور الآخرة، ونظروا إلى الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد واحتقار. فينبغي علينا جميعا أن نفعل ثقافة الانضباط وعدم الإسراف والتبذير؛ كي نخرج من أزماتنا هذه بإذن الله تعالى، وليس معنى هذا أن نستسلم ولا نبحث ولا يبحث مسئولونا عن حلول، بل لا بد من البحث عن حلول جادة لكل هذه الأزمات.