ضيقت نواتج الموجة الثانية للثورة المصرية, التي أنهت حكم الإخوان المسلمين, من خيارات حركة حماس إزاء سقوط ما خالته ورقة رابحة بديلة عن حلفاء الأمس, وأمام ضعف الرهان علي ساحات نصرتها المستحدثة الأخري, وسط خلافات معتملة في أوساطها لم تحسم بعد. ومنذ الآن فصاعدا; تجد حماس نفسها منشغلة في معالجة متغيرات وضعتها في مصاف أحد الخاسرين من تبعاتها, بما يفتح الباب أمام احتمالات قد تدخل في حساب تقديراتها خلال المرحلة المقبلة. إذ تأتي أحداث مصر في ظل أشواط قطعتها حماس من مسار الابتعاد عما شكل بالنسبة إليها, حتي المدي القريب, بعدا استراتيجيا حيويا, وذلك غداة انتصارها, ضمن إطار التنظيم الأم, لمطالب المعارضة والشعب السوري بالتغيير والإصلاح ضد النظام, مما كبدها أثمانا باهظة, لاتزال إرهاصاتها قائمة, لجهة إغلاق مكاتبها في دمشق ومغادرتها البلاد صوب فضاءات عربية أخري, وتصدع رابط خطها مع طهران, وما تبعه من تجفيف الدعم المالي الإيراني إن لم يكن قطعه, وتوتر العلاقة مع حزب الله. وقوبل النأي تدريجيا عن المحور الشيعي باقتراب من المحور المصري القطري التركي, الذي أوجد تغيرات تحالفية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للحركة, وتسبب, ولايزال, في تذكية خلافات داخلية حادة, أبرزت خطابا متمايزا بين قيادتي الداخل والخارج مس رؤيتها الاستراتيجية تجاه إدارة الصراع العربي الإسرائيلي, وقارب موقفها من الثورات العربية والتفاعلات المرتبطة بها, ودخل في صلب نظرتها للمصالحة الفلسطينية, التي فجرت أحد اتفاقاتها( الدوحة في فبراير2012) مواطن التباين. فيما كشفت الأحداث المصرية الأخيرة الغطاء عما قد تجره سياسة قلب المحاور من تداعيات علي حماس, إزاء تأثرها, بشكل أو بآخر, من حسابات متغايرة لدوائر التحالف الجديدة تجاه مصر. فإذا كان الارتياح الإماراتي السعودي الكويتي لقرار عزل الرئيس محمد مرسي قد ترجم فورا بمساعدات مالية ورسائل تهنئة للرئيس المؤقت, بعد توجس مبرر إزاء امتدادات الإخوان داخل الساحة الخليجية, بهدف قلب نظام الحكم فيها وإقامة الدولة الإسلامية, فإن هزيمتهم قد تسمح بإسدال الستار علي صفحة قاتمة من العلاقات الثلاثية المتوترة مع مصر, دون استبعاد انجرار حماس في طياتها, رغم سعيها منذ مغادرة دمشق لمد جسر التواصل القوي مع الرياض تحديدا, إلا أن علاقة الحركة بالسعودية لم تتحسن لدرجة تضمن لها ساحة بديلة أو الاستعاضة عن المعونة الإيرانية. بينما تقف قطر اليوم في الوجهة المعاكسة; فرغم تقديمها الدعم المالي لحماس بهدف تشجيعها علي الابتعاد عن إيران, قد تقلصه أو توقفه عند تضارب المصالح, ورغم اختيار رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل الدوحة مكانا مؤقتا لإقامته, لكنه يعلم أن أبوابها لن تفتح كليا إلا إذا ارتدت الحركة ثوبا سياسيا وطرحت موقفا جديدا يتلاءم مع التطورات التي تشهدها المنطقة. في حين تدخل متغيرات المشهد المصري بين ثنايا العلاقة القطرية الحمساوية, تحت عنوان انتهاء حكم الإخوان المسلمين. فغداة سياسة الأبواب المفتوحة والرفد المالي( زهاء7 مليارات دولار) والتسخير الإعلامي والدبلوماسي لإخوان مصر منذ تسلمهم السلطة, مقابل ما تردد من أنباء السعي لتنفيذ مشروع احتكاري يسمح لها بحق استغلال قناة السويس لمدة99 عاما كان نائب مرشد الإخوان قد وعدها به, تجد قطر نفسها اليوم خاوية الوفاض من ورقة رهانها التي استخدمتها سابقا لتعزيز نفوذها في المنطقة, ولكنها لم تستطع إنقاذها من السقوط. وهذا المشهد السياسي المتشابك قد يضع قطر أمام احتمالين في ظل العهد الجديد, بما قد يورط حماس فيما لا تريد. فإما الركون القطري إلي النواتج, بعد فشل وقوفها إلي جانب المعارضة السورية وعدم تحقيقها المكاسب التي أرادت في ليبيا, بما يعني ذلك مقاربة الخط السعودي الإماراتي, في مصر وسوريا, وسط مؤشرات قد تشي بالتزامه, إزاء ما يعتقد أنها مراجعة قطرية لعلاقتها مع الإخوان, ابتدأتها باستبعاد المحسوبين عليهم داخل جهاز الدولة واستدعاء ممثليهم العاملين في المؤسسات الدينية, في ظل تكهن بمقاربة الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سياسة مختلفة تخوله الاقتراب من الحاضنة الخليجية, بما قد يصيب بتداعياته حركة حماس, التي تتخذ من الدوحة مكانا لها وتستفيد من دعمها المالي, ويؤثر علي علاقة تحالف الأهداف التي استمرت لمدة عام تقريبا, في ظل تردد معلومات عن محاولة الحركة البحث عن مكان آخر لمكاتبها قد يكون تركيا أو الأردن. في المقابل; قد لا يعني ذلك بالضرورة, بحسب مراقبين, تحولا في السياسة الخارجية القطرية بقدر ما هو تكييف تكتيكي للمستجدات القائمة. إذ لايزال الشيخ يوسف القرضاوي, الزعيم الروحي للإخوان, مقيما في الدوحة ومطلقا الفتاوي والتصريحات المنتقدة لتدخل الجيش في السياسة المصرية باعتباره انقلابا يستوجب إصلاحه, بعودة الرئيس مرسي إلي السلطة, ولا تزال التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة مؤيدة له. ويساعد في ذلك ما يعتبره الإخوان انقلابا علي الشرعية, في ظل شعورهم باهتزاز مشروعهم الإسلامي وأمام مفاهيم الكيانات الشمولية والمهام عابرة الحدود والولاء والبيعة, التي يتقاطرون حولها, فإن ذلك قد يدفعهم, إلي تغييره, عبر الأخذ بالمشهد المصري نحو مزيد من الاحتقان والتوتر, من دون إسقاط المنظور القائل بأن فشل تجربة الإخوان في الحكم قد يصيب القاعدة الشعبية تجاه انكفاء التضامن وتراجع التأييد, وربما تشكل هزيمتهم في مصر درسا ونموذجا لطموح حركات الإسلام السياسي في المنطقة نحو السلطة, لناحية انحسار التجربة مؤقتا أو النكوص عنها. إلا أن الأخذ بهذا الاحتمال قد يجر علي حماس تداعيات لن تنجو من مخاطرها, لجهة المزيد من الاحتقان وتوتر العلاقة مع مصر, بما ينعكس سلبا علي قطاع غزة وعلي وجودها في القاهرة, ولجهة انتعاش الحركات السلفية الجهادية في سيناءوغزة, التي قد تجد في سقوط الإخوان معولا لتكثيف أعمالها المسلحة, فيما قد تستفيد قوي المعارضة الفلسطينية الأخري في القطاع, مثل الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية, من أزمة حماس لتعزيز موقعها في غزة. ولعل الثابت هنا, بعدما قطعت حماس الوصل, إلي حد كبير, مع حلفاء الأمس, وشكلت دوائر تحالف جديدة لم تنج من مشهد التغيير الذي سيترك أثرا بالغا علي الحركة, فإنه لا نصير لها سوي المظلة الوطنية الفلسطينية, عبر المضي في خطوات المصالحة وإنهاء الانقسام, والأخذ بناصية المقاومة, بشتي أشكالها, ضد الاحتلال الإسرائيلي, باعتباره أس وجودها وثابت مرجعيتها. لمزيد من مقالات د. نادية سعد الدين